وَزَعَمَ الْقَدَرِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْهُمْ مُسْلِمِينَ وَلَا كَافِرِينَ , وَأَنَّ هَذَا مُسْتَحِيلٌ , ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بَعْضَ عَبِيدِهِ وَبَعْضَ بَنِي آدَمَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ بَعْضَهُمْ مُؤْمِنِينَ وَبَعْضَهُمْ كَافِرِينَ. قَالَ: وَنَفَسُ الْخَبَرِ دَالٌّ عَلَى مَا قُلْنَا , وَذَلِكَ أَنَّهُ يَقُولُ: خَلَقْتُهُمْ كُلُّهُمْ فَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ دِينِهِمْ , وَإِنَّمَا اجْتَالَ الشَّيَاطِينُ بَعْضَهُمْ لَا كُلَّهُمْ , لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَلِ الْأَنْبِيَاءَ وَلَا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا , وَلَا الْأَطْفَالَ , وَلَا الْمَجَانِينَ , فَلَمَّا ثَبَتَ قَوْلُهُ: «اجْتَالَتْهُمْ كُلُّهُمْ» يُرِيدُ بَعْضَهُمْ ثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ: «خَلَقَهُمْ كُلَّهُمْ» يُرِيدُ بَعْضَهُمْ. فَإِنْ قَالَ: فَفِي الْخَبَرِ «خَلَقْتُ عِبَادِي» وَاسْمُ الْعِبَادِ لَا يَقَعُ عَلَى بَعْضِهِمْ. يُقَالُ لَهُ: اسْمُ الْعِبَادِ قَدْ يَقَعُ عَلَى بَعْضِهِمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] أَرَادَ بَعْضَ عِبَادِهِ , وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ. قَالَ: {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ} [الزخرف: 68] أَرَادَ بَعْضَ عِبَادِهِ , وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «خَلَقْتُ عِبَادِي» أَرَادَ بَعْضَهُمْ لَا كُلَّهُمْ "