إن السؤال عن الكيفية هو الذي أتعب الباحثين في القدر، وجعل البحث فيه من أعقد الأمور وأصعبها، وأظهر أن الإيمان به صعب المنال، وهو سبب الحيرة التي وقع فيها كثير من الباحثين.
ولذا فقد نصَّ جمع من أهل العلم على المساحة المحذورة التي لا يجوز دخولها في باب القدر، وقد سقنا قريباً مقالة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى التي يقول فيها: " من السَّنة اللازمة الإيمان بالقدر خيره وشره والتصديق بالأحاديث فيه، والإيمان بها، لا يقال: لِمَ؟ ولا كيف؟ " (?) .
لقد خاض الباحثون في القدر في كيفية خلق الله لأفعال العباد مع كون هذه الأفعال صادرة عن الإنسان حقيقة، وبحثوا عن كيفية علم الله بما العباد عاملون، وكيف يكلف عباده بالعمل مع أنه يعلم ما سيعملون، ويعلم مصيرهم إلى الجنة أو النار.
وضرب الباحثون في هذا كتاب الله بعضه ببعض، وتاهوا وحاروا ولم يصلوا إلى شاطئ السلامة، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته من أن تسلك هذا المسار وتضرب في هذه البيداء، ففي سنن الترمذي بإسناد حسن عن أبي هريرة قال: " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع في القدر، فغضب حتى احمرَّ وجهه، حتى كأنما فقئ في وجنتيه الرمان، فقال: أبهذا أمرتم، أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم ألا تنازعوا فيه " (?) .