زِدْنِي {رَحِمَكَ اللَّهُ. فَقُلْتُ:

يَا شَيْخُ} اللَّهُ عَالِمٌ بِسَرِيرَتِكَ، مُطَّلِعٌ عَلَى حَقِيقَتِكَ، شَاهِدُكَ فِي خُلْوَتِكَ، بِعَيْنِهِ كُنْتَ عِنْدَ اسْتِتَارِكَ مِنْ خَلْقِهِ وَمُبَارَزَتِهِ. فَصَاحَ صَيْحَةً كَصَيْحَتِهِ الْأُولَى. ثُمَّ قَالَ: مَنْ لِفَقْرِي؟ مَنْ لِفَاقَتِي؟ مَنْ لِذَنْبِي؟ مَنْ لِخَطِيئَتِي؟ أَنْتَ لِي يَا مَوْلَايْ {وَإِلَيْكَ مُنْقَلَبِي. ثُمَّ خَرَّ مَيِّتًا - رَحِمَهُ اللَّهُ.

قَالَ أَبُو عَامِرٍ: فَأَسْقَطَ فِي يَدَيَّ وَقُلْتُ: مَاذَا جَنَيْتُ عَلَى نَفْسِي؟ فَخَرَجْتُ إِلَى جَارِيَةٍ عَلَيْهَا مُدَرَّعَةٌ مِنْ صُوفٍ، وَخِمَارٌ مِنْ صُوفٍ، قَدْ ذَهَبَ السُّجُودُ بِجَبْهَتِهَا وَأَنْفِهَا، وَاصْفَرَّ لِطُولِ الْقِيَامِ لَوْنُهَا، وَتَوَرَّمَتْ قَدَمَاهَا. فَقَالَتْ: أَحَسَنْتَ، وَاللَّهِ يَا حَادِيَ قُلُوبِ الْعَارِفِينَ، وَمُثِيرَ أَشْجَانِ عَلِيلِ الْمَحْزُونِينَ، لَا نَسِيَ لَكَ هَذَا الْمَقَامَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. يَا أَبَا عَامر} هَذَا الشَّيْخُ وَالِدِي مُبْتَلًى بِالسُّقْمِ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً. صَلَّى حَتَّى أُقْعِدَ وَبَكَى حَتَّى عَمِيَ. وَكَانَ يَتَمَنَّاكَ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَيَقُولُ: حَضَرْتُ مَجْلِسَ أَبِي عَامِرٍ النُّبَاتِيِّ. فَأَحْيَا مَوَاتَ قَلْبِي، وَطَرَدَ وَسَنَ نَوْمِي، وَإِنْ سَمِعْتُهُ ثَانِيًا قَتَلَنِي. فَجَزَاكَ اللَّهُ مِنْ وَاعِظٍ خَيْرًا وَمَتَّعَكَ مِنْ حِكْمَتِكَ بِمَا أَعْطَاكَ. ثُمَّ أَكَبَّتْ عَلَى أَبِيهَا، تُقَبِّلُ عَيْنَيْهِ وَهِيَ تَبْكِي وَتَقُولُ:

يَا أَبِي {يَا أَبَتَاهْ} يَا مَنْ أَعْمَاهُ الْبُكَاءُ عَلَى ذَنْبِهِ {يَا أَبِي} يَا أَبَتَاهْ {يَا مَنْ قَتَلَهُ ذِكْرُ وَعِيدِ رَبِّهِ} ثُمَّ عَلَا الْبُكَاءُ وَالنَّحِيبُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَالدُّعَاءُ. وَجَعَلَتْ تَقُولُ: يَا أَبِي {يَا أَبَتَاهْ} (يَا) حَلِيفَ الْحُرْقَةِ وَالْبُكَاءِ! يَا أبي يَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015