ومن أدلة ذلك موقف عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - الذي جاء حدّث يوماً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنكس. قال (?): فنظرت إليه فهو قائم محللة أزرار قميصه قد اغرورقت عيناه وانتفخت أوداجه. قال: أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريبا من ذلك، أو شبيهاً بذلك (?).
ومن أجلى ما يُستدَلُّ به ما أخرج البخاري في «صحيحه» عن عبد الله بن الزبير (?) - رضي الله عنه - أنه قال لأبيه: إني لا أسمعُكَ تحدّثُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما يُحدّث فلانٌ وفلانٌ، قال: أمَا إني لم أكن أفارقُهُ، ولكن سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّا مقعدَه من النار» (?).
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح هذا الحديث في «فتح الباري»:
«وفي تمسُّك الزبير - رضي الله عنه - (?) بهذا الحديث على خلاف ما ذهب إليه من اختيار قلة التحديث دليلٌ للأصحِّ في أن الكذب هو: الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه سواءٌ كان عمداً أم خطأً، والمخطئ وإن كان غير مأثومٍ بالإجماع، لكن الزبير خشيَ من الإكثار أن يقع في الخطأ وهو لا يشعر؛ لأنه وإن لم يأثم بالخطأ لكن قد يأثم بالإكثار؛ إذ إن الإكثار مظنة الخطأ.