وما أَخبرَ عنه القرآنُ يَختلفُ عن ما قالَه الأَحْبار.
فلما استعصَمَ يوسفُ أَمامَ إِغرائِها، ولم يَهِمَّ بها هَرَبَ من الغرفة، التي كانت المرأةُ قد أَغْلَقَتْ بابَها، ولحقَتْ هي به لتُعيدَه، واستَبَقا الباب، وما أَنْ فَتَحَ البابَ حتى وَجَدَ زَوْجَها عِندَ الباب، فَسارعت المرأةُ إِلى اتِّهامِ يوسفَ، ودافعَ هو عن نفسِه..
وأَخبرَ الزوجُ أَحَدَ أَهْلِها بما جرى، ودعا الشاهدُ الحَكَمُ إِلى
ملاحظةِ قَمِيصِ يوسف، فإِنْ كان قُدَّ من الأَمامِ فصدقَتْ هي في كلامِها،
لأَنه يكونُ هو الذي اعْتَدَى عليها، وهي تُدافعُ عن نفسِها، وإِنْ كان قُدَّ من
الخلفِ يكونُ هو الصادقَ وهي الكاذبة، لأَنه يكونُ هارباً منها، وهي تلحَقُه
لتُدركه، فلما رأى القميصَ قُدَّ من الخلفِ عَرَفَ براءةَ يوسفَ وجريمةَ
امرأتِه!..
قال تعالى: (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29) .
***
أَخبرَ القرآنُ عن نوحٍ - عليه السلام - أَنه دَعا على قومِه بالضلال، قال تعالى: (وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) .
واعتبرَ الفادي هذا خَطَأً في القرآن، لا يتفقُ مع نبوةِ نوحٍ - صلى الله عليه وسلم - وبِرِّه.
ولذلك اعترضَ على القرآنِ قائلاً: " كيفَ يَدْعو نوحٌ ربَّه أَنْ يَزيدَ الناسَ
ضَلالاً؟
كما أَنَّ اللهَ ليس مصدرَ الضَّلال، ونوحٌ نفسُه لا يُحِبُّ الضَّلال؟