ومن المعلومِ عندنا أَنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لم يُشَرّعْ من عندِه، وإِنما كان يُبَلِّغُ المسلمين حكمَ اللهِ وشَرْعَه، فاللهُ سبحانه هو الذي شَرَعَ مناسكَ الحج، من إِحرامٍ وطوافٍ وسعي ورميِ للجِمار وغير ذلك، واللهُ هو الذي شَرَعَ للرسولِ - صلى الله عليه وسلم - والمسلميًن استَلامَ الحجرِ الأَسودِ عند الطوافِ وتقبيلهِ، كما أَمرهم باستقبالِ الكعبةِ في الصلاة، وعندما كان - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ الحجرَ الأَسودَ كان
يُطَبِّقُ أَمْرَ الله، ويُنَفِّذُ شَرعَ الله، وهو بهذا عابدٌ لله وليس مشركاً به!.
وكم كانَ عمرُ بنُ الخطاب - رضي الله عنه - واعياً حكيماً فَطِناً، عندما قَرَّرَ أَنه يُقَبّلُ الحجرَ الأَسود؛ لأَنه يقتدي في ذلك برسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وهو يوقنُ أَنه مجردُ حجرٍ، لا يَضُرُّ ولا يَنْفَع.
***
شَكَّكَ الفادي المجرمُ في عِفَّةِ عائشةَ - رضي الله عنها -، وكَرَّرَ ما قالَه المنافقون الكافرون في اتِّهامها.
وكانتْ وقفتُه الفاجرةُ الخبيثةُ أَمامَ قولِ اللهِ - عز وجل -: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) .
ذَكَرَ خُلاصَةَ الحادثة كما وَرَدَتْ في تفسير البيضاويِّ: من أَنَّ
رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خرجَ في غزوةٍ من غزواتِه، واستصحبَ معه عائشة - رضي الله عنها -، ولما عاد من الغزوة إِلى المدينة، نَزَلَ بالجيشِ ليلاً ليستريحوا، ثم نادى بالرَّحيل، وكانتْ عائشةُ قد مَشَتْ قليلاً لتقضيَ حاجتَها، ولما عادَتْ إِلى الرَّحْلِ عرفَتْ أَنها أَضاعَتْ عُقْدَها الذي في عنقِها، فعادَتْ لتبحث عنه، وظنَّ المكلَّفُ بترحيلها أَنها داخلَ الهودج، فأَقامَ الناقة وسارَ بها مع الجيش، وهو يوقنُ أَنَّ عائشةَ في الهودَج، ولما عادَتْ إِلى المكانِ في الليل وَجَدَت الجيش قد تحركَ فجلَستْ على الأَرض مكانها..
وكان رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -