فيما أَنا اسْتَفْتَيْتُهُ فيه، أَتاني رَجُلان، فقعَدَ أَحَدُها عند رأْسي، والآخَرُ عند
رِجْلَيَّ، فقالَ الذي عندَ رأسي للآخَر: ما بالُ الرجل؟
قال: مَطْبوب.
قال: وَمَنْ طبَّهُ؟
قال: لَبيدُ بنُ الأعصم، رجلٌ من بني زريق، حليفُ اليهود، كان
منافقاً، قال: وَفيم؟
قال: في مُشْطٍ ومُشاطَةٍ.
قال: وأَيْنَ؟
قال: في جُفِّ بئر ذِروان ...
قالت: فأَتى النبيُّ البئرَ فاستَخْرَجَها ... ".
ما زَعَمَه الفادي المفترِي من أَنَّ سِحْرَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - استمرَّ ستةَ أَشهرٍ أَو سنةً غيرُ صحيح، فلم يستمر ذلك إِلّا فترةً قصيرةً لم تَتَجاوزْ أَياماً قليلة.
والراجحُ أَنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لم يُرسلْ عليَّ بنَ أَبي طالب - رضي الله عنه - إلى البئرِ التي فيها السحرُ، ولم يستخرجْه منها، وما نَقَلَه الفادي عن العقدِ الفريدِ مرجوح مردود.
والصحيحُ في هذه الحادثةِ ما رواه البخاريُّ عن عائشةَ - رضي الله عنها - قالت: " سُحِرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، حتى إِنه ليُخَيَّلُ إِليه أَنه يفعلُ الشيءَ وما فَعَلَه ...
حتى إِذا كانَ ذاتَ يومٍ وهو عندي، دَعا اللهَ ودَعاه..
ثم قال: أَشعرتِ يا عائشةُ أَنَّ اللهَ قد أَفْتاني فيما اسْتَفْتَيْتُهُ فيه؟
قلتُ: وما ذاك يا رسولَ الله؟
قال: جاءَني رَجُلان، فجلسَ أَحَدُهما عند رأسي، والآخَرُ عند رِجْلَيَّ، ثم قالَ أَحَدُهما للآخَر: ما وَجَعُ الرجل؟
قال: مَطْبوب، قال: ومَنْ طَبهُ؟
قال: لَبيدُ بنُ الأَعْصَمِ اليهودي من بني زُريق.
قال: في ماذا؟
قال: في مُشْطٍ ومشاطَة وجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَر.
قال: فأَينَ هو؟
قال: في بْئرِ ذي أَروان.
قالَتْ: فذهبَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في أُناسٍ من أَصحابِه إِلى البئر، فَنَظَرَ إِليها وعليها نَخْل..
ثم رجعَ إِلى عائشةَ، فقال: واللهِ لكَأَنَّ ماءَها نُقاعَةُ الحِنّاءِ، وكأَنَّ نخلَها
رؤوسُ الشياطين..
قلتُ: يا رسولَ الله، أَفَأَخْرَجْتَه؟
قال: لا..
أَمّا أَنا فقد عافاني اللهُ وشَفاني، وخشيتُ أَنْ أُثَوِّرَ على الناس منه شَرّاً.
وأَمَرَ بها فدُفنتْ ".