وإِنَّ الباحثينَ المنصفينَ المُحايدين، الذين يَحتَرمونَ عُقولَهم وعقولَ القراء،
ويَحترمون الحقيقةَ والموضوعية، قَرّروا أَنه لا مجالَ للمقارنةِ بينَ القرآنِ وبين
الشعرِ العربي، لأَنَّ فصاحةَ القرآنِ وبلاغتَه بَلَغَتْ حَدَّ الإِعجاز، ولذلك عَجَزَ العربُ المشركون عن معارضةِ القرآن، والإِتيانِ بمثلِه، أَو بعشرِ سورِ مثلِه، أَو بسورةِ مثله.
ولقد أَخبرَ القرآنُ استحالةَ قدرةِ الناسِ على معارضةِ القرآنِ والإِتيانِ
بمثْلِه، قال تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) .
وهذه الآيةُ الجازمة، يُصَدّقُها الواقعُ التاريخي، على مَدارِ خمسةَ عَشَرَ
قرناً، فكم حارَبَ القرآنَ من أَصنافِ الكفار، وكم حاوَلوا معارضَتَه ونَقْضَه، ولكنَّ جَميعَ محاولاتِهم باءَتْ بالفَشَل، ولم يتمكَّنوا من معارضتِه والإِتيانِ
بمِثْلِه، ويَبقى خَبَرُ الآيةِ قائماً: (لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) .
ويَبْقَى هذا دليلاً قاطِعاً على أَنَّ القرآنَ من عندِ الله! وأَنه لا يُماثِلُ ولا يُشابِهُ
كَلامَ الناس.
***
أَخبرَ اللهُ أَنَّ القرآنَ ليسَ مُختلفاً ولا مُتناقضاً، ولو كانَ من عندِ غير اللهِ
لكانَ فيه الكثيرُ من الاختلافِ والتناقض.
قال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) .
ولكنَّ الفادي المجرمَ لم يُصَدِّق الآيةَ، وإِنما كَذَّبَها، وادَّعى أَنَّ القرآنَ
مختل مُضطرب مُتناقض.
وقالَ تحتَ عنوان: " الكَلامُ المختلف ": " جاءَتْ في القرآنِ اختلافاتٌ كثيرةٌ لاختلافِ قراءاتِه، وصارَتْ سُنَّة أَنَّ عباراتِ القرآنِ على سبعةِ أَحرفٍ أَو سبعةِ أَوجهٍ، حتى ليَصعبُ على الإِنسانِ أَنْ يُصدرَ حُكْماً