وحَدَثَتْ حَرْبُ الجَمَلِ بين عائشة وعلي، ثم بينَ معاويةَ وعلي وابنِه
الحسين ...
ثم كانت فتنةُ عبد الله بن الزُّبَيْر والحربُ بينه وبينَ الحَجّاجِ في
خلافةِ عبدِ الملك بن مروان ...
هكذا كان حالُ العربِ في صَدْرِ الإِسلام، يقتلُ بعضهم بعضاً، مُواجهةً وخِدعةً وغَدْراً، فأَين التآلفُ وإِصلاحُ ذاتَ البينِ الذي أَتى به الإسلام؟! ".
إِنَّ من المتفقِ عليه أَنَّ العداوةَ والبغضاءَ كانتْ شديدةً بين العربِ في
الجاهلية، وأَنَّ حياتَهم كانت تَقومُ على الغزوِ والقَتْل، والسلبِ والنهب،
والظلمِ والعدوان، وكانت تنشبُ بينهم الحروبُ الطويلةُ لأَتْفَهِ الأَسباب..
وجَمَعَهم اللهُ بعدَ ذلك لما أَسلموا على القرآن، وامتنَّ اللهُ على المسلمين
بذلك، ودعاهم إِلى الاعتصام به، وتَذَكُّرِ ما كانوا عليه من العَداوة، وما صَاروا إليه من الأُخُوَّةِ والمحبَّة، وشَتّانَ بين ماضيهم الجاهليِّ وحاضرِهم الإِيمانيّ!.
ونَعتَرفُ بأَنهُ حَصَلَ للمسلمين تَفَرُّقٌ واختلافٌ بعد وفاةِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وأَدّى هذا إِلى تَقاتُلٍ ونزاعٍ، ونَشَبَت المعاركُ بين المسلمين، في البصرةِ وصفّين، واستشهدَ كثيرٌ من خِيارِ المسلمين.
لكنَّ هذه الفترةَ كانت غاشيةً غشيت المسلمين، ثم تَلاشَتْ وزالَتْ، وحَلَّ
مَحَلَّها اتفاقُهم واجتماعُهم وتَلاقيهم.
ثم إِنَّ هذا الاختلافَ والتقاتُلَ لم يُؤَدِّ إِلى خروجهم عن الإِسلام، ومع أَنَّ الأَصْلَ أَنْ لا يكون، لكنَّ وُقوعَه أَمْر حتميّ بينَ مختلفِ الناس.
كما قال الله - عز وجل -: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) .
ولا يَزالُ القرآنُ عاملَ اجتماعِ وتعاونِ المسلمين، تَأتلفُ عليه
قلوبُهم، ويُخففُ آثارَ الاختلافِ الذي لا بُدَّ أَنْ يقعَ بين البَشَر!.