وكلامُه يدل على جَهْلِه، فهو لا يَعلمُ بأَنَّ الحكْمَ بحبسِ الزانية إِنما هو
حُكُمٌ مُؤَقَّت، وسينسخُه اللهُ فيما بَعْد.
ولم يُطبَّقْ هذا الحُكْمُ على عهدِ
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم تُسَجِّل الرواياتُ الصحيحةُ حادثةً واحدةً حُكِمَ فيها على امرأةٍ زانيةٍ بالحبْسِ في البيتِ حتى الموت، ولم تَمُتْ زانيةٌ واحدو وهي محبوسةٌ في بيتها؛ لأَنه لم تَثْبُتْ حالةُ زنى واحدةٌ خلال هذه الفترة.
والدليلُ على أَنَّ الحكمَ بالحبسِ مُؤَقَّتٌ قول الله: (أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) أيّ: سيأتي اللهُ بحكْمٍ آخرَ، يَنسخُ هذا الحكْمَ.
وجاءَ الحكمُ الناسخُ في سورةِ النور، قال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) .
نَسَخَ اللهُ حكْمَ حَبْسِ الزانياتِ في البيوتِ بجِلْدِهِنَّ مئةَ جَلْدة، إِذا كُنَّ غيرَ
متُزَوِّجاتٍ وقد صَرَّحَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بأَنَّ آيةَ سورةِ النورِ ناسخةٌ لآيةِ سورةِ النساء، والسبيلَ الذي وعَدَتْ به آيةُ سورةِ النساء هو ما ذكَرَتْهُ آيةُ سورةِ النور.
روى مسلمٌ عن عبادةَ بنِ الصامت - رضي الله عنه -، عن رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: " خُذُوا عَنّي، خُذُوا عَنّي، قد جَعَلَ اللهُ لهنَّ سبيلاً، البِكْرُ بالبِكْرِ جَلْدُ مئةٍ ونفيُ سَنَة، والثيبُ بالثيبِ جَلْدُ مئةٍ والرَّجْم".
وإذا كان حَدُّ الزاني البكرِ الجلدُ مئةَ جلدةٍ، قد ثَبَتَ في سورةِ النور، فإنَّ حَدَّ الزاني المتزوج الرجمَ حتى الموتِ، قد ثَبَتَ في حديثِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حيثُ رَجَمَ زُناةً متَزوِّجين!.
والراجحُ أَنَّ الرجْمَ لم يُذْكَرْ في القرآن، كما أَنَّ الراجحَ أَنه لا توجَدُ آيَةٌ
منسوخةُ التلاوةِ في القرآن، وأَنَّ النسخَ الذي في القرآنِ هو نسخُ الحكمِ مَعَ
بقاءِ التلاوة.
روى مسلمٌ عن عبد الله بنِ عباس - رضي الله عنهما - قال: قال عمرُ بنُ الخطابِ - رضي الله عنه - وهو جالسٌ على منبر رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ بَعَثَ محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالْحقّ، وأَنزل