واعتراضُ الفادي على الآيةِ دَليلُ جَهْلِه، فقد ظَنَّ لجَهْلِهِ أَنَّ لأَمْرَ لا
يَسْتَدعي نُزولَ الآيةِ بإِباحةِ التجارةِ في موسمِ الحج؟
لأَنَّ العَرَبَ في الجاهليةِ كانوا يُتاجرون، والأَصْلُ بَقاءُ الأَمْرِ على ما كانَ عليه، فما الدّاعي لإِنزالِ آيةٍ تُبيحُ شَيْئاً هو مُباح؟!.
لقد كانَ العربُ في الجاهليةِ يُتاجِرونَ في موسمِ الحَجّ، فلما أَسْلَموا
تَحَرَّجوا من ذلك، وتَأَثَّموا منه، ولذلك توقَّفوا عَنْه، لأَنهم ظَنُّوه غيرَ جائِز،
ولا يَتفقُ مع التَّجردِ للهِ أَثناءَ أَداءِ المناسك.
وجاءَ أَحَدُهم إِلى النبى - صلى الله عليه وسلم - يسأَلُه عن جواز ذلك، فتوقَّفَ النبيُّ - عليه السلام - عن الجواب، لأَنَّه ليس عندَه فيه شيءٌ جَديد، فأَنزلَ اللهُ الآيةَ جواباً على السؤال، مُبيحاً التجارةَ في الحج.
وهذا التحرُّجُ والتوقُّفُ من الصحابةِ بانتظارِ معرفةِ الحكْمِ الشرعيِّ شهادةٌ
لصالحهم، لأَنه يدلّ على التزامِهم بحكْمِ الله، وعدمِ مخالفَتِه، بحيثُ يتوقَّفون
عَمَّا كانوا يَعملونَه، بانتظارِ حُكم الله فيه.
فلما أَنزلَ اللهُ الآيةَ وأَباحَ فيها التجارةَ في موسمِ الحج، أَزالَ تَحَرجَهم
وتَأَثّمَهم، وأَعْطى تَصرُّفَهم السابقَ بُعْداً إِسلاميّاً.
***
ذَهَبَ الفادي المفترِي إِلى أَنَّ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - هو الذي حَدَّدَ وَقْتَ الحَجّ، وأَنه في شهرِ ذي الحِجَّة!
قالَ في افترائه: " كانَ بعضُ أَهْلِ الجاهليةِ يَقفُ بعَرَفَة، وبعضهم بمزدَلِفة، وكان يَحُجُّ بعضهم في ذي القعدة، وبعضهم في ذي الحِجّة!
وكلٌّ يَقول: الصوابُ فيما فَعَلْتُه!
فقال محمد: لا شكَّ أَنَّ الحَجَّ في ذي الحِجّة ".