وقبلَ حَلِّ المشكلة نَقول: إِنَّ تَعزيرَ اللهِ وتَوقيرَه سبحانه ليسَ كفراً " لأَنَّ
التعزيرَ مَعْناهُ النَّصْرُ والتأييد، والتوقيرَ مَعْناهُ التعظيمُ والإِجلال، وهل نَصرُ الله وتَأييدُه كُفْر؟
وهل تَعظيمُ اللهِ وإِجلالُه كُفْر؟!.
لقد دَعا اللهُ المؤمنين إِلى نَصرَه، ورَبطَ نَصرَهُ لهم بنصرِهم له، فقال
تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) .
فهل معنى هذا أَنَّ اللهَ ضَعيفٌ يَحتاجُ إِلى مَنْ يَنصُرُه؟
حاشَ لله.
وهكذا نَفهمُ تَعزيرَ اللهِ وتأييدَه، فهو لا يَحتاجُ إِلى تعزيرِ وتَأييدِ أَحَد، والإِنسانُ هو المستفيدُ عندما يُعَزِّرُ اللهَ ويُؤَيِّدُه ويَنصرُه.
ولقد ذَمَّ اللهُ الكفارَ الذين لم يَقْدُروهُ حَق قَدْرِه.
قال تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) .
وأَنكرَ نوحٌ - عليه السلام - على قومِه الكافرين عَدَمَ توقيرِ اللهِ.
قال تعالى: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) .
وهذا مَعناهُ أَنَّ توقيرَ اللهِ وتعظيمَه وإِجلالَه واجب.
بعد هذا البيانِ نَقول: للعلماءِ قولان في مَنْ عادَتْ عليه الضَّمائِرُ الثلاثة:
القولُ الاوَّلُ: عادَ الضميرُ الأَوَّل والثاني على الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - (تُعَزِّوهُ وَتُوَقِّرُوُه) .
بمعنى نَصْرِه واحترامِه وتوقيرِه وتَقديره.
أَمّا الضميرُ الثالث: (وَتُسَبِّحُوهُ) فإِنَّهُ يَعودُ على الله، لأَنَّ التسبيحَ لا يَكونُ إِلّا لله. فتكونُ الواوُ في (وَتُسَبِّحُوهُ) حرفَ استئناف وليستْ حَرْفَ عَطْف " لأَنَّ (وَتُسَبِّحُوهُ) ليسَ مَعْطوفاً على (وَتُوَقِّرُوُه) ، فالتَّعزيرُ والتوقيرُ للرسولِ - صلى الله عليه وسلم.
أَمَّا التَّسبيحُ فإِنَّه لله.
القولُ الثاني: الضمائرُ الثلاثةُ تَعودُ على الله: (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) ، والأَفعالُ الثلاثةُ معطوفةٌ على (لتُؤْمِنُواْ) .
ويكونُ المعْنى دعوةً إِلى الإِيمانِ بالله، وتَعْزيرِه، وتَوقيرِه، وتَسبيحه.
والراجحُ هو القولُ الثاني، فنحنُ مأمورونَ بالإِيمانِ بالله وتعزيرِه وتوقيرِه
وتسبيحِه، على المعْنى الذي ذَكَرْناهُ في التعزيرِ والتوقير.