(وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً)
(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)
ما حكمةُ وَصْفِ الأَيّامِ في سورةِ البقرة بالصيغةِ الدالَّةِ على العَدَدِ الأَقَلّ:
(أَيَّامًا مَعْدُودَةً) ، وَوَصْفِ الأَيّام نفسِها في سورةِ آل عمران بالصيغةِ الدالةِ
على العددِ الأكثر: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) ؟
مع أَنَّ الأَيّامَ في السورتَيْن واحدة، والقائلين فيهما اليهود؟.
إِنَّ السياقَ هو الحَكَم، وهو في سورةِ البقرة غيرُه في سورةِ آل عمران!.
إِنَّ الكلامَ في سورةِ البقرة مختَصَر، والهدفُ منه ذِكْرُ زَعْمِ اليهودِ ثم الرَّدُّ
عليه بإِيجاز، ولذلك وُصِفَت الأَيّامُ بالصيغةِ الدالَّةِ على القِلَّة، لِتَتَناسَبَ مع
الهدفِ من الكلامِ، وهو الاختصارُ الدالُّ على التقليل: (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً) .
أَمّا الكلامُ في سورةِ آل عمران فإنه مُفَصَّلٌ مُطَوَّل قليلاً، فهو لا يَكتفي
بمجردِ تسجيلِ زَعْم اليهود، وإِنَّما يَدْعو إِلى التعجبِ من موقفِ اليهودِ
الاستعلائي، فإِنهم عندما يُدْعَون إِلى الاستجابةِ لحُكْمِ الله، يَرْفُضون تلكَ
الدعوة، ويَتَوَلُّونَ ويُعْرضون، ويُصرّونَ على باطِلهم، والسببُ في هذا زَعْمُهم أَنهم لن يُعَذَّبوا في النارِ إِلّا أَياماً معدودات، واغترارُهم في دينهم، وتصديقُهم مزاعِمَهم.
وبما أَنَّ الكلامَ في سورةِ آلِ عمران مُطَوَّلٌ مُفَصَّل، في عَرْضِ بعضِ
صفاتِ اليهودِ وتصرفاتِهم وأَقوالِهم، جاءَ بالصيغة الدالَّةِ على تكثيرِ الأيام،
لتتناسبَ مع السياقِ الذي وَرَدَتْ فيه: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) (?) .
***
بناءً على تَفريقِ الفادي الجاهلِ بينَ (مَعْدُودَةً) و (مَعْدُودَاتٍ) على أَنَّ
(مَعْدُودَةً) جمعُ كَثْرَة، و (مَعْدُودَاتٍ) جمعُ قِلَّة، تابَعَ اعتراضه على القرآن،
فأَثارَ سُؤالَه السابعَ عَشَرَ بعد المئة، وجَعَلَه تابعاً لسؤالِه السابق، الذي ناقَشْناهُ فيه.