بالكرازةِ والدعوةِ عَبَثٌ لا ضرورةَ له ولا فائدَة فيه!..
وهذا بعكْسِ تعاليمِ الكتابِ المقَدَّس ".
وبعدما أَوردَ بعضَ كلامِ المسيحِ في الأَناجيل عن حريةِ الإِنسانِ وإِرادتِه
قال: " وقال الفلاسفةُ في البيانِ النظريِّ عن الحيوان: إِنَّه الجسمُ الحَسّاسُ
المتحركُ بالإِرادَة..
فإِذا كان حَدُّ الحيوانِ البهيميِّ أَنه متصَرَفٌ بالإِرادة، فكيفَ نتصوَّرُ أَنَّ الإِنسانَ - أَشْرَفَ مخلوقاتِ اللهِ في عالَمِ الحِسّ - عاجِزٌ، مَجْبُورٌ
على العصيانِ أَو الطاعة؟
وإذا كان هناك إجبارٌ فما فائدةُ العَقْل؟ ".
يَتَحَدَّثُ الفادي المفترِي عن قضيةِ الإِيمانِ بالقَدَر، ولذلك جَعَلَ عنوانَها:
" اللهُ قَدَّرَ الشُّرور "!
وهذه القضيةُ مرتبطةٌ بالقضيةِ السابقة، التي أَثارَها في السؤالِ السابق، قضيةِ " الجَبْرِ والاختيار ".
ونَدْعو إِلى استصحابِ ما قُلْناهُ في المسألةِ السابقةِ ونحنُ نناقشُ الفادي
في كلامِهِ عن الإِيمانِ بقَدَرِ الله.
نقررُ بدايةً أَنَّ الإِيمانَ بالقَدَرِ جُزْءٌ سادسٌ من أَركانِ الإِيمانِ، وإذا لم
يؤمن الإنسان بالقدرِ كان كافراً، حَتّى لو آمَنَ بأَركانِ الإِيمانِ الخَمسةِ
الأُخرى: الإِيمانُ بالله، وملائكتِه، وكتبِه، ورسلِه، واليومِ الآخِر.
ويَقومُ الإِيمانُ بالقَدَرِ على حقيقةِ أَنَّ كُل شيء يَقَعُ في هذا الوجودِ يكونُ
بقَدَرِ اللهِ، وحاش لله أَنْ يقعَ شيءٌ في الوجودِ رَغْماً عنه، فاللهُ هو الذي قَدَّرَ كُلَّ شيءٍ وأَرادَه وشاءَه.
والآياتُ التي تُقَرِّرُ هذه الحقيقةَ كثيرة.
منها قولُه تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) .
وقولُه تعالى: (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) .