لقد جُمِعَ القرآنُ أَيامَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بطريقَتَيْن: جَمْعُهُ في الصُّدور، بإِتْقانِ حِفْظِه من قِبَلِ الآلافِ الحُفّاظِ من الصحابة.
وجَمْعُهُ في السُّطور، بكتابتِه على أدواتِ الكتابةِ الميَسَّرةِ في عصرِهم، وهذا تَمَّ على أَيْدي العشراتِ من الصحابة..
حيث كان الصحابيُّ يَكتبُ على أَوراقِهِ بعضَ سورِ القرآن التى يَخْشى نِسيانَها، فمنهم مَنْ كَتَبَ كُلَّ القرآن، ومنهم مَنْ كَتَبَ نِصْفَه أَو ثلثَه أَو
ربعَه أَو بعضَ سورِه.
وفي خلافةِ أَبي بكرٍ الصديقِ - رضي الله عنه - بدأَتْ حركَةُ الجهاد، واستُشْهِدَ كثيرٌ من حُفّاظِ القرآن في المعارك، فدعَت الحاجةُ إلى جَمْع القرآن، وأَلْهَمَ اللهُ عمرَ - رضي الله عنه - أَنْ يُشيرَ على أبي بكرٍ - رضي الله عنه - بذلك، وكَلَّفَ أبو بكرٍ زيدَ بنَ ثابتٍ - رضي الله عنه - بذلك.
فكتبَ زيدٌ النسخةَ الأُولى من المصحف، وسَجَّلَ فيها القرآنَ
مُرَتَّبَ السورِ والآياتِ كما أَمَرَ اللهُ رسولَه - صلى الله عليه وسلم -، في العَرْضةِ الأَخيرةِ التي حَضَرَها زيدُ بنُ ثابت - رضي الله عنه -.
وكان زيدِّ لا يكتبُ أيةَ آيةٍ في المصحف إِلا بعدَ أَنْ يأتِيَه صحابيٌّ يَحفظُها حِفْظاً مُتْقَناً، ويأتيهِ بها مكتوبةً عنده، ومعه شاهِدٌ آخرُ
من الصحابة، وكان زيدٌ نفسُه حافظاً مُتْقِناً.
وبهذا كان يشهدُ على كلِّ آيةٍ أربعةٌ من الصحابةِ الحافظين، وكانت الآية مدَوَّنَةً مكتوبة.
ووُضعت النسخةُ المعتَمَدَةُ من المصحفِ والتي أَجمعَ عليها جميعُ
الصحابةِ عندَ أَبي بكر، ثم عندَ عُمر، ثم عندَ حفصة بنت عمر - رضي الله عنهما -.
والذي دَعا إِلى اْلجمعِ الثالثِ للقرآنِ في خلافةِ عثمانَ هو بَقاءُ النُّسَخِ
الخاصَّةِ مِن مصاحفِ بعضِ الصحابة في بيوتِهم، ولم تَكنْ على طريقةٍ واحدةٍ
كما ذكرنا، فأَدّى هذا إِلى اختلافٍ في بعْضِ تلك النُّسَخ، في ترتيبِ بعضِ
السور والآيات، للأَسبابِ التي أَشَرْنا لها، وكانَ كُلُّ واحدٍ يُقْرِئُ الآخرين من نسختِه التي قد تخالفُ بعضَ النسخ، فأَلهم اللهُ حذيفةَ بنَ اليَمانِ - رضي الله عنه - أَنْ يُشيرَ على الخليفةِ عثمان بجمعٍ جديدٍ للقرآن، لاعتمادِ النسخةِ الجديدةِ وإِلغاءِ ما سِواها من النسخ المخالفة!.