وقد أَباحَ اللهُ لرسولِه - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يتزوَّجَ مَنْ وَهَبَتْ نفسَها له، وجعلَ هذا الحكْمَ خاصّاً به، وليس عامَّاً لجميع المؤمنين، فقالَ لَه: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) .
وليس الأَمْرُ أَمْرَ عِشْقٍ وَهَوى كما زَعَمَ المفْتَري، فلا تهوى امرأةٌ مسلمةٌ
رجلاً أَجنبيّاً، ولا تعشَقُه، حتى لو كانَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، والرسولُ - عليه السلام - عنوانُ العفَّةِ والطهر، ولا يَقَعُ في هوى امرأةٍ أَجنبية! ولذلك كانَ الفادي مُفترياً مُتوقحاً عندما قال: " يتزوجُ بأيةِ امرأةٍ تَهواهُ فتهبُه نَفْسَها، إِنْ وقعَ هو في هواها!! ".
وتتحدَّثُ الآية ُ عن حالةٍ خاصة، لظروفٍ خاصة، وحكْمٍ خاصٍّ
لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -..
روى البخاريُّ ومسلمٌ عن سهل بنِ سعدٍ الساعديّ - رضي الله عنه -
قال: إِنّي لفي القومِ عندَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاءَتْه امرأةٌ، فقالَتْ: يا رسولَ الله إِنّي قد وَهَبْتُ نفسي لك، فَرَ فِيَّ رَايَكَ! فقامَتْ قِياماً طويلاً، فقالَ رَجل: يا رسولَ الله! زَوّجْنِيها..
فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: " هل عندَك من شيء تصدُقُها
إِيّاه؟ " قال: لا.
قال: " التمس ولو خاتَماً من حَديد! " فالْتَمَسَ فلم يَجِدْ شيئاً،
فقالَ رسولُ الله - عليه السلام -: " هل مَعك من القرآنِ شيء؟ " قالْ معي سورةُ كذا وسورةُ كذا..
قال: " زَوَّجْتُكَها بما مَعك من القرآن ".
فرغمَ أَنَّ اللهَ أَباحَ لرسولِه - عليه السلام - أَنْ يتزوَّجَ مَنْ وَهَبَتْ نفسَها له، إِلَّا أَنه لم يَتَزَوَّجْها، وإِنما زَوجَها لأَحَدِ أَصحابِه.
ولم تتكررْ تلك الحادثةُ معه.
وإِباحةُ الزواجِ للرسولِ - عليه السلام - عن طريقِ الهبةِ خاصٌّ به، كما أُبيحَ له الزواجُ بأَكثرَ من أَربعِ نساء، وكان زَواجاً بدونِ وَليٍّ ولا مَهْر، وهذا لا يَجوزُ لغيرِه، مع أَنه زواجٌ لم يَتَحَقَّقْ!.
ولهذا قالَ قَتادة: ليسَ لامرأةٍ تَهَبُ نفسَها لرجُلٍ بغيرِ وَليٍّ ولا مَهْر، إلّا
للنبيّ - عليه السلام -، لقوله: (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) .
وقالَ ابنُ عباس - رضي الله عنهما -: لم يكنْ عندَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - امرأةٌ وَهَبَتْ نَفْسَها له.