هذه السورة تعالج قضية العقيدة الأساسية .. قضية الألوهية والعبودية .. تعالجها بتعريف العباد برب العباد .. من هو؟ ما مصدر هذا الوجود؟ ماذا وراءه من أسرار؟ من هم العباد؟ من ذا الذي جاء بهم إلى هذا الوجود؟
من أنشأهم؟ من يطعمهم؟ من يكفلهم؟ من يدبر أمرهم؟ من يقلب أفئدتهم وأبصارهم؟ من يقلب ليلهم ونهارهم؟ من يبدئهم ثم يعيدهم؟ لأي شيء خلقهم؟ ولأي أجل أجلهم؟ ولأي مصير يسلمهم؟ .. هذه الحياة المنبثقة هنا وهناك .. من بثها في هذا الموات؟ .. هذا الماء الهاطل. هذا البرعم النابغ. هذا الحب المتراكب. هذا النجم الثاقب. هذا الصبح البازغ. هذا الليل السادل. هذا الفلك الدوار .. هذا كله من وراءه؟ وماذا وراءه من أسرار، ومن أخبار؟ .. هذه الأمم، وهذه القرون، التي تذهب وتجيء، وتهلك وتستخلف ..
من ذا يستخلفها؟ ومن ذا يهلكها؟ لماذا تستخلف؟ ولما ذا يدركها البوار؟ وماذا بعد الاستخلاف والابتلاء والوفاة من مصير وحساب وجزاء؟؟؟
هكذا تطوّف السورة بالقلب البشري في هذه الآماد والآفاق، وفي هذه الأغوار والأعماق .. ولكنها تمضي في هذا كله على منهج القرآن المكي .. الذي أسلفنا الحديث عنه في الصفحات السابقة - وعلى منهج القرآن كله .. إنها لا تهدف إلى تصوير نظرية في العقيدة ولا إلى جدل لاهوتي يشغل الأذهان والأفكار .. إنما تهدف إلى تعريف الناس بربهم الحق لتصل من هذا التعريف إلى تعبيد الناس لربهم الحق. تعبيد ضمائرهم وأرواحهم، وتعبيد سعيهم وحركتهم، وتعبيد تقاليدهم وشعائرهم، وتعبيد واقعهم كله لهذا السلطان المتفرد ..
سلطان اللّه الذي لا سلطان لغيره في الأرض ولا في السماء ..
ويكاد اتجاه السورة كله يمضي إلى هذا الهدف المحدد .. من أولها إلى آخرها .. فاللّه هو الخالق. واللّه هو الرازق. واللّه هو المالك. واللّه هو صاحب القدرة والقهر والسلطان. واللّه هو العليم بالغيوب والأسرار.