قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] ..
إنه الخطاب "للناس" .. بصفتهم هذه , لردهم جميعا إلى ربهم الذي خلقهم .. والذي خلقهم (من نفس واحدة) .. (وخلق منها زوجها. وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) ..
إن هذه الحقائق الفطرية البسيطة لهي حقائق كبيرة جدا , وعميقة جدا , وثقيلة جدا .. ولو القى "الناس" أسماعهم وقلوبهم إليها لكانت كفيلة بإحداث تغييرات ضخمة في حياتهم وبنقلهم من الجاهلية - أو من الجاهليات المختلفة - إلى الإيمان والرشد والهدى , وإلى الحضارة الحقيقية اللائقة "بالناس" و "بالنفس" واللائقة بالخلق الذي ربه وخالقه هو الله ..
إن هذه الحقائق تجلو للقلب والعين مجالا فسيحا لتأملات شتى:
1 - إنها أبتداء تذكر "الناس" بمصدرهم الذي صدروا عنه ; وتردهم إلى خالقهم الذي أنشأهم في هذه الأرض .. هذه الحقيقة التي ينساها "الناس" فينسون كل شيء! ولا يستقيم لهم بعدها أمر!
إن الناس جاءوا إلى هذا العالم بعد أن لم يكونوا فيه .. فمن الذي جاء بهم ? أنهم لم يجيئوا إليه بإرادتهم. فقد كانوا - قبل أن يجيئوا - عدما لا إرادة له .. لا إرادة له تقرر المجيء أو عدم المجيء. فإرادة أخرى - إذن - غير إرادتهم , هي التي جاءت بهم إلى هنا .. إرادة أخرى - غير إرادتهم - هي التي قررت أن تخلقهم. إرادة أخرى - غير إرادتهم - هي التي رسمت لهم الطريق , وهي التي اختارت لهم خط الحياة .. إرادة أخرى - غير إرادتهم - هي التي منحتهم وجودهم ومنحتهم خصائص وجودهم , ومنحتهم استعداداتهم ومواهبهم , ومنحتهم القدرة على التعامل مع هذا الكون الذي جيء بهم إليه من حيث لا