وماذا صنع المشركون بالمسلمين أيام الغزو الثاني للشرك على أيدي التتار؟ ثم ما يصنع المشركون والملحدون اليوم بعد أربعة عشر قرنا بالمسلمين في كل مكان؟ .. إنهم لا يرقبون فيهم إلّا ولا ذمة، كما يقرر النص القرآني الصادق الخالد ..
عند ما ظهر الوثنيون التتار على المسلمين في بغداد وقعت المأساة الدامية التي سجلتها الروايات التاريخية والتي نكتفي فيها بمقتطفات سريعة من تاريخ «البداية والنهاية» لابن كثير فيما رواه من أحداث عام 656 ه: ثمّ دخلت سنة ستّ وخمسين وستّمائة. فيها أخذت التّتار بغداد وقتلوا أكثر أهلها حتّى الخليفة، وانقضت دولة بني العبّاس منها.
استهلّت هذه السّنة وجنود التّتار قد نازلت بغداد صحبة الأميرين اللّذين على مقدّمة عساكر سلطان التّتار، هولاكو خان، وجاءت إليهم أمدد صاحب الموصل يساعدونهم على البغاددة وميرته وهداياه وتحفه، وكلّ ذلك خوفا على نفسه من التّتار، ومصانعة لهم- قبّحهم اللّه تعالى-،وقد سترت بغداد ونصبت المجانيق والعرّادات وغيرها من آلات الممانعة الّتي لا تردّ من قدر اللّه- سبحانه وتعالى- شيئا، كما ورد في الأثر (لن يغني حذر عن قدر)،وكما قال تعالى: إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ (نوح/ 4)،وقال تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (الرعد/ 11)،وأحاطت التّتار بدار الخلافة يرشقونها بالنّبال من كلّ جانب حتّى أصيبت جارية كانت تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه، وكانت من جملة حظاياه، وكانت مولّدة تسمّى عرفة، جاءها سهم من بعض الشّبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة، فانزعج الخليفة من ذلك وفزع فزعا شديدا، وأحضر السّهم الّذي أصابها بين يديه فإذا عليه مكتوب، إذا أراد اللّه إنفاذ قضائه وقدره أذهب من ذوي العقول عقولهم.
ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرّجال والنّساء والولدان والمشايخ والكهول والشّبّان، ودخل كثير من النّاس في الآبار وأماكن الحشوش، وقنى الوسخ، وكمنوا كذلك أيّاما لا يظهرون، وكان الجماعة من النّاس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون عليهم الأبواب فتفتحها التّتار إمّا بالكسر وإمّا بالنّار، ثمّ يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسطحة، حتّى تجري الميازيب من الدّماء في الأزقّة، فإنّا للّه وإنّا إليه