الحاكمة فى كل شأن من شؤون هذه الحياة، تنسيقا بين الجانب الإرادي في حياتهم والجانب الفطري، وتنسيقا بين وجودهم كله بشطريه هذين وبين الوجود الكوني (?).
ولكن الجاهلية التي تقوم على حاكمية البشر للبشر، والشذوذ بهذا عن الوجود الكوني والتصادم بين منهج الجانب الإرادي في حياة الإنسان والجانب الفطري .. هذه الجاهلية التي واجهها كل رسول بالدعوة إلى الإسلام للّه وحده. والتي واجهها رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - بدعوته .. هذه الجاهلية لم تكن متمثلة في «نظرية» مجردة. بل ربما أحيانا لم تكن لها «نظرية» على الإطلاق! إنما كانت متمثلة دائما في تجمع حركي. متمثلة في مجتمع، خاضع لقيادة هذا المجتمع، وخاضع لتصوراته وقيمه ومفاهيمه ومشاعره وتقاليده وعاداته، وهو مجتمع عضوي بين أفراده ذلك التفاعل والتكامل والتناسق والولاء والتعاون العضوي، الذي يجعل هذا المجتمع يتحرك - بإرادة واعية أو غير واعية - للمحافظة على وجوده والدفاع عن كيانه والقضاء على عناصر الخطر التي تهدد ذلك الوجود وهذا الكيان في أية صورة من صور التهديد.
ومن أجل أن الجاهلية لا تتمثل في «نظرية» مجردة، ولكن تتمثل في تجمع حركي على هذا النحو فإن محاولة إلغاء هذه الجاهلية، ورد الناس إلى اللّه مرة أخرى، لا يجوز - ولا يجدي شيئا - أن تتمثل في «نظرية» مجردة. فإنها حينئذ لا تكون مكافئة للجاهلية القائمة فعلا والمتمثلة في تجمع حركي عضوي، فضلا على أن تكون متفوقة عليها كما هو المطلوب في حالة محاولة إلغاء وجود قائم بالفعل، لإقامة وجود آخر يخالفه مخالفة أساسية في طبيعته وفي منهجه وفي كلياته وجزئياته. بل لا بد لهذه المحاولة الجديدة أن تتمثل في تجمع عضوي حركي أقوى في قواعده النظرية والتنظيمية، وفي روابطه وعلاقاته ووشائجه من ذلك التجمع الجاهلي القائم فعلا.
والقاعدة النظرية التي يقوم عليها الإسلام - على مدار التاريخ البشري - هي قاعدة: «شهادة أن لا إله إلا اللّه». أي إفراد اللّه - سبحانه - بالألوهية والربوبية والقوامة