ثم يكل أمر الخلافات التي تنشب بين الجماعات والأقوام إلى اللّه في يوم القيامة للفصل فيه: «وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» يمهد بهذا لترضية النفوس بالوفاء بالعهد حتى لمخالفيهم في الرأي والعقيدة: «وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً، وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» .. ولو شاء اللّه لخلق الناس باستعداد واحد، ولكنه خلقهم باستعدادات متفاوتة، نسخا غير مكررة ولا معادة، وجعل نواميس للهدى والضلال، تمضي بها مشيئته في الناس. وكل مسؤول عما يعمل. فلا يكون الاختلاف في العقيدة سببا في نقض العهود. فالاختلاف له أسبابه المتعلقة بمشيئة اللّه. والعهد مكفول مهما اختلفت المعتقدات.

وهذه قمة في نظافة التعامل، والسماحة الدينية، لم يحققها في واقع الحياة إلا الإسلام في ظل هذا القرآن

ويمضي السياق في توكيده للوفاء بالعهود، ونهيه عن اتخاذ الأيمان للغش والخديعة، وبث الطمأنينة الكاذبة للحصول على منافع قريبة من منافع هذه الدنيا الفانية. ويحذر عاقبة ذلك في زعزعة قوائم الحياة النفسية والاجتماعية،وزلزلة العقائد والارتباطات والمعاملات. وينذر بالعذاب العظيم في الآخرة، ويلوح بما عند اللّه من عوض عما يفوتهم بالوفاء من منافع هزيلة، وينوه بفناء ما بأيديهم وبقاء ما عند اللّه الذي لا تنفد خزائنه، ولا ينقطع رزقه: «وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ، فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها، وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا. إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ. وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ».

واتخاذ الأيمان غشا وخداعا يزعزع العقيدة في الضمير، ويشوه صورتها في ضمائر الآخرين. فالذي يقسم وهو يعلم أنه خادع في قسمه، لا يمكن أن تثبت له عقيدة، ولا أن تثبت له قدم على صراطها. وهو في الوقت ذاته يشوه صورة العقيدة عند من يقسم لهم ثم ينكث، ويعلمون أن أقسامه كانت للغش والدخل ومن ثم يصدهم عن سبيل اللّه بهذا المثل السيئ الذي يضربه للمؤمنين باللّه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015