هكذا في وقاحة العاجز، الذي لا تكلفه وقاحة اللسان إلا مد اللسان! أما النهوض بالواجب فيكلفه وخز السنان! «فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ»! ..

فليس بربهم إذا كانت ربوبيته ستكلفهم القتال! «إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ» .. لا نريد ملكا، ولا نريد عزا، ولا نريد أرض الميعاد .. ودونها لقاء الجبارين!

هذه هي نهاية المطاف بموسى عليه السلام. نهاية الجهد الجهيد. والسفر الطويل. واحتمال الرذالات والانحرافات والالتواءات من بني إسرائيل! نعم ها هي ذي نهاية المطاف .. نكوصا عن الأرض المقدسة، وهو معهم على أبوابها. ونكولا عن ميثاق اللّه وهو مرتبط معهم بالميثاق .. فماذا يصنع؟ وبمن يستجير؟

«قالَ: رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي. فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ» ..

دعوة فيها الألم. وفيها الالتجاء. وفيها الاستسلام. وفيها - بعد ذلك - المفاصلة والحسم والتصميم! وإنه ليعلم أن ربه يعلم أنه لا يملك إلا نفسه وأخاه .. ولكن موسى في ضعف الإنسان المخذول. وفي إيمان النبي الكليم. وفي عزم المؤمن المستقيم، لا يجد متوجها إلا للّه. يشكو له بثه ونجواه، ويطلب إليه الفرقة الفاصلة بينه وبين القوم الفاسقين. فما يربطه بهم شيء بعد النكول عن ميثاق اللّه الوثيق .. ما يربطه بهم نسب. وما يربطه بهم تاريخ. وما يربطه بهم جهد سابق. إنما تربطه بهم هذه الدعوة إلى اللّه، وهذا الميثاق مع اللّه. وقد فصلوه. فانبت ما بينه وبينهم إلى الأعماق. وما عاد يربطه بهم رباط .. إنه مستقيم على عهد اللّه وهم فاسقون .. إنه مستمسك بميثاق اللّه وهم ناكصون ..

هذا هو أدب النبي. وهذه هي خطة المؤمن. وهذه هي الآصرة التي يجتمع عليها أو يتفرق المؤمنون .. لا جنس. لا نسب. لا قوم. لا لغة. لا تاريخ. لا وشيجة من كل وشائج الأرض إذا انقطعت وشيجة العقيدة وإذا اختلف المنهج والطريق .. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015