جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي» .. فما يجتمع في قلب واحد أن يهاجر جهادا في سبيل اللّه ابتغاء مرضاة اللّه، مع مودة لمن أخرجه من أجل إيمانه باللّه، وهو عدو اللّه وعدو رسول اللّه! ثم يحذرهم تحذيرا خفيا مما تكن قلوبهم، وما يسرون به إلى أعدائهم وأعداء اللّه من المودة، وهو مطلع على خفية القلوب وعلانيتها: «تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ».

ثم يهددهم تهديدا مخيفا، يثير في القلب المؤمن الوجل والمخافة: «وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ» .. وهل يخيف المؤمن شيء ما يخيفه أن يضل سواء السبيل بعد الهداية والوصول؟! وهذا التهديد وذلك التحذير يتوسطان تبصير المؤمنين بحقيقة أعدائهم وما يضمرون لهم من الشر والكيد.

ثم تجيء البقية: «إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ» ..

فلا تعرض لهم فرصة يتمكنون فيها من المسلمين حتى يتصرفوا معهم تصرف العدو الأصيل. ويوقعوا بهم ما يملكون من أذى ومن تنكيل بالأيدي وبالألسنة وبكل وسيلة وكل سبيل.

والأدهى من هذا كله والأشد والأنكى: «وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ» ..

وهذه عند المؤمن أشد من كل أذى ومن كل سوء يصيبه باليد أو اللسان. فالذي يود له أن يخسر هذا الكنز العزيز. كنز الإيمان. ويرتد إلى الكفر، هو أعدى من كل عدو يؤذيه باليد وباللسان!

والذي يذوق حلاوة الإيمان بعد الكفر، ويهتدي بنوره بعد الضلال، ويعيش عيشة المؤمن بتصوراته ومداركه ومشاعره واستقامة طريقه وطمأنينة قلبه يكره العودة إلى الكفر كما يكره أن يلقى في النار. أو أشد. فعدو اللّه هو الذي يود أن يرجعه إلى جحيم الكفر وقد خرج منه إلى جنة الإيمان، وإلى فراغ الكفر الخاوي بعد عالم الإيمان المعمور. لهذا يتدرج القرآن في تهييج قلوب المؤمنين ضد أعدائه وأعدائهم حتى يصل إلى قمته بقوله لهم عنهم: «وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ» ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015