وبيئاته! ومن هذه الغضبة للّه. والتنصل من الاعتزاز أو الاحتماء بسواه، ينبعث ذلك التحدي الذي يوجهه شعيب إلى قومه وتقوم تلك المفاصلة بينه وبينهم - بعد أن كان واحدا منهم - ويفترق الطريقان فلا يلتقيان: «وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ» ..

وامضوا في طريقكم وخطتكم، فقد نفضت يديّ منكم.

«إِنِّي عامِلٌ» .. على طريقتي ومنهجي.

«سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ» .. أنا أم أنتم؟

«وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ» .. للعاقبة التي تنتظرني وتنتظركم .. وفي هذا التهديد ما يوحي بثقته بالمصير. كما يوحي بالمفاصلة وافتراق الطريق ..

ويسدل الستار هنا. على هذه الكلمة الأخيرة الفاصلة وعلى هذا الافتراق والمفاصلة، ليرفع هناك على مصرع القوم، وعلى مشهدهم جاثمين في ديارهم، أخذتهم الصاعقة التي أخذت قوم صالح، فكان مصيرهم كمصيرهم، خلت منهم الدور، كأن لم يكن لهم فيها دور، وكأن لم يعمروها حينا من الدهر. مضوا مثلهم مشيعين باللعنة، طويت صفحتهم في الوجود وصفحتهم في القلوب: «وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا، وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ، كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها. أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ، كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ ... ».وطويت صفحة أخرى من الصفحات السود، حق فيها الوعيد على من كذبوا بالوعيد. (?)

: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)} [هود:87] ..

وهو رد واضح التهكم، بيّن السخرية في كل مقطع من مقاطعه. وإن كانت سخرية الجاهل المطموس، والمعاند بلا معرفة ولا فقه.

«أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا؟» .. فهم لا يدركون - أولا يريدون أن يدركوا - أن الصلاة هي من مقتضيات العقيدة، ومن صور العبودية والدينونة. وأن العقيدة لا تقوم بغير توحيد اللّه، ونبذ ما يعبدونه من دونه هم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015