بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الكتاب: القرآن الكريم منهج متكامل
إعداد/ أ. د. محمود بن يوسف فجال
مقدمة:
الحمد لله الذي أرسل رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - بالهدى والتبيان. والصلاة والسلام على نبينا محمد المؤيد بالمعجزات والفرقان. وعلى آله وأصحابه الذين اتبعوا نهجه، وساروا على هدية، وتخلقوا بأخلاق القرآن.
أما بعدُ: فقد كان عربُ الجاهلية قبلَ مبعث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يعبدون الأوثانَ، ويئدون البناتِ، ويستعبد قويُّهم ضعيفَهم، ويتحاربون لأتفه الأسباب أعواماً عديدة.
والعالمُ من حولهم في صراع مستمر، فمنهم من يعبد الآلهةَ الباطلةَ، ومنهم من يقول بالتثليث، ومنهم من يعبد البقر، ويسجد للحجر والشجر، ومنهم من يستحل الأمهات والبنات. ومنهم من يروِّج الأكاذيبَ ويفتري على الله، جل وعلا.
كان العالمُ إذ ذاك يتخبط في الظلام والظلم، والاستعباد والقهر. كانت لهم أعمالٌ مشينة، وعاداتٌ سيئة. كانوا أمماً شقيَّةً، وفِرَقًا ضائعة ممزقه منحرفة عن نهج الله سبحانه وتعالى وتعاليمه، وهدي النبوة.
وفي هذا الظلام المدلهم وهذا التيه والتخبط، والحروب والظلم بَعَثَ اللهُ رسولَه الكريم محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - مؤيدًا بالمعجزة العظمى، بالقرآن الكريم، الذي أذهل العربَ أهلَ الفصاحة واللسن، بفصاحته وأحكامه وتعاليمه.
قال تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (الإسراء: 88) .
قال «ابن كثير» (?) : «أخبر - تعالى- أنه لو اجتمعت الإنس والجن كلهم، واتفقوا على أن يأتوا بمثل ما أنزله الله على رسوله، لما أطاقوا ذلك ولما استطاعوه، ولو تعاونوا وتظافروا فإن هذا أمر لا يستطاع، وكيف يشبه كلامُ المخلوقين كلامَ الخالق، الذي لا نظير له، ولا مثالَ له، ولا عديلَ له؟!» .
وقد تكفَّل الله سبحانه بحفظه بقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9) . قال «ابن كثير» (?) : «قرر تعالى أنه هو الذي أنزل الذكر، وهو القرآن، وهو الحافظ له من التغيير والتبديل» .
والله سبحانه جعله معجزةً باقية على تطاول الأزمان، واتساع الأوطان. والقرآنُ الكريم لم يترك جانبًا من جوانب الحياة المتعلقة بالإنسان إلا أتى عليه، ورسم له المنهج الصحيح؛ ليسير على هديه، ويستضيء بنوره. لقد رسم القرآن الكريم لبني آدم ما يصلحهم في الحياة الدنيا، وما يجلب لهم المثوبة في الآخرة.
والقرآن الكريم منهج متكامل، متفرع الجوانب، رَسَمَ محاورَ كثيرةً لإصلاح المجتمع. ومن العسير التطوافُ عليها جميعًا، لذا سأتناول جانباً من جوانبها، وسأتكلم على ثلاثة محاور منها، وهي:
المحور الثاني: علاقة الإنسان بربه.
المحور الثالث: علاقة الإنسان بمجتمعه.
وعلى الله اعتمادي، وعليه توكلي، وبه أستعين، وله الحمد في الأولى والآخرة.
المحور الأول: (الهدف العام من إنزال القرآن الكريم)
وفيه الصفات الآتية:
الصفة الأولى: كتاب هداية للناس.
الصفة الثانية: دعوته إلى العلم.
الصفة الثالثة: دستور هذه الأمة.
الصفة الرابعة: الوسطية والاعتدال.
الصفة الأولى: كتاب هداية للناس
أنزل الله تعالى القرآنَ الكريم هدًى للناس، وفرقانًا بين الحق والباطل، وتبيانًا لكل شيء في حياة الإنسان. جعله الله سبحانه تشريعًا خالدًا إلى يوم القيامة، فَمَنْ تَبِع هُداه فاز ونجا. قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (الإسراء: 9) .