والتواصي بالصبر كذلك ضرورة. فالقيام على الإيمان والعمل الصالح، وحراسة الحق والعدل، من أعسر ما يواجه الفرد والجماعة. ولا بد من الصبر. لا بد من الصبر على جهاد النفس، وجهاد الغير. والصبر على الأذى والمشقة. والصبر على تبجح الباطل وتنفج الشر. والصبر على طول الطريق وبطء المراحل، وانطماس المعالم، وبعد النهاية! والتواصي بالصبر يضاعف المقدرة، بما يبعثه من إحساس بوحدة الهدف، ووحدة المتجه، وتساند الجميع، وتزودهم بالحب والعزم والإصرار .. إلى آخر ما يثيره من معاني الجماعة التي لا تعيش حقيقة الإسلام إلا في جوها، ولا تبرز إلا من خلالها .. وإلا فهو الخسران والضياع.
وننظر اليوم من خلال هذا الدستور الذي يرسمه القرآن لحياة الفئة الرابحة الناجية من الخسران، فيهولنا أن نرى الخسر يحيق بالبشرية في كل مكان على ظهر الأرض بلا استثناء. يهولنا هذا الضياع الذي تعانيه البشرية في الدنيا - قبل الآخرة - يهولنا أن نرى إعراض البشرية ذلك الإعراض البائس عن الخير الذي أفاضه اللّه عليها مع فقدان السلطة الخيرة المؤمنة القائمة على الحق في هذه الأرض .. هذا والمسلمون - أو أصحاب دعوى الإسلام بتعبير أدق - هم أبعد أهل الأرض عن هذا الخير، وأشدهم إعراضا عن المنهج الإلهي الذي اختاره اللّه لهم، وعن الدستور الذي شرعه لأمتهم، وعن الطريق الوحيد الذي رسمه للنجاة من الخسران والضياع. والبقاع التي انبعث منها هذا الخير أول مرة تترك الراية التي رفعها لها اللّه، راية الإيمان، لتتعلق برايات عنصرية لم تنل تحتها خيرا قط في تاريخها كله. لم يكن لها تحتها ذكر في الأرض ولا في السماء. حتى جاء الإسلام فرفع لها هذه الراية المنتسبة للّه، لا شريك له، المسماة باسم اللّه لا شريك له، الموسومة بميسم اللّه لا شريك له .. الراية التي انتصر العرب تحتها وسادوا وقادوا البشرية قيادة خيرة قوية واعية ناجية لأول مرة في تاريخهم وفي تاريخ البشرية الطويل.
يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه القيم: «ما ذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟» .. عن هذه القيادة الخيرة الفذة في التاريخ كله، وتحت عنوان «عهد القيادة الإسلامية»: «الأئمة المسلمون وخصائصهم»: «ظهر المسلمون، وتزعموا العالم، وعزلوا الأمم المزيفة من زعامة الإنسانية التي استغلتها وأساءت عملها، وساروا بالإنسانية سيرا حثيثا متزنا