التعبد لإله واحد، يرفع الإنسان عن العبودية لسواه، ويقيم في نفسه المساواة مع جميع العباد، فلا يذل لأحد، ولا يحني رأسه لغير الواحد القهار .. ومن هنا الانطلاق التحرري الحقيقي للإنسان. الانطلاق الذي ينبثق من الضمير ومن تصور الحقيقة الواقعة في الوجود. إنه ليس هناك إلا قوة واحدة وإلا معبود واحد. فالانطلاق التحرري ينبثق من هذا التصور انبثاقا ذاتيا، لأنه هو الأمر المنطقي الوحيد.
والربانية التي تحدد الجهة التي يتلقى منها الإنسان تصوراته وقيمه وموازينه واعتباراته وشرائعه وقوانينه، وكل ما يربطه باللّه، أو بالوجود، أو بالناس. فينتفي من الحياة الهوى والمصلحة، وتحل محلهما الشريعة والعدالة.
وترفع من شعور المؤمن بقيمة منهجه، وتمده بالاستعلاء على تصورات الجاهلية وقيمها واعتباراتها، وعلى القيم المستمدة من الارتباطات الأرضية الواقعة .. ولو كان فردا واحدا، لأنه إنما يواجهها بتصورات وقيم واعتبارات مستمدة من اللّه مباشرة فهي الأعلى والأقوى والأولى بالاتباع والاحترام (?).
ووضوح الصلة بين الخالق والمخلوق، وتبين مقام الألوهية ومقام العبودية على حقيقتهما الناصعة، مما يصل هذه الخليقة الفانية بالحقيقة الباقية في غير تعقيد، وبلا وساطة في الطريق. ويودع القلب نورا، والروح طمأنينة، والنفس أنسا وثقة. وينفي التردد والخوف والقلق والاضطراب كما ينفي الاستكبار في الأرض بغير الحق، والاستعلاء على العباد بالباطل والافتراء! والاستقامة على المنهج الذي يريده اللّه. فلا يكون الخير فلتة عارضة، ولا نزوة طارئة، ولا حادثة منقطعة.
إنما ينبعث عن دوافع، ويتجه إلى هدف، ويتعاون عليه الأفراد المرتبطون في اللّه، فتقوم الجماعة المسلمة ذات الهدف الواحد الواضح، والراية الواحدة المتميزة. كما تتضامن الأجيال المتعاقبة الموصولة بهذا الحبل المتين.