قال تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ} (56) سورة النحل
إنهم يحرمون على أنفسهم بعض الأنعام. لا يركبونها أو لا يذوقون لحومها. أو يبيحونها للذكور دون الإناث - كما أسلفنا في سورة الأنعام - باسم الآلهة المدعاة التي لا يعلمون عنها شيئا، إنما هي أوهام موروثة من الجاهلية الأولى. واللّه هو الذي رزقهم هذه النعمة التي يجعلون لما لا يعلمون نصيبا منها، فليست هي من رزق الآلهة المدعاة لهم ليردوها عليها، إنما هي من رزق اللّه، الذي يدعوهم إلى توحيده فيشركون به سواه!.
وهكذا تبدو المفارقة في تصورهم وفي تصرفهم على السواء .. الرزق كله من اللّه. واللّه يأمر ألا يعبد سواه فهم يخالفون عن أمره فيتخذون الآلهة. وهم يأخذون من رزقه فيجعلونه لما نهاهم عنه! وبهذا تتبدى المفارقة واضحة جاهرة عجيبة مستنكرة!.
وما يزال أناس بعد أن جاءت عقيدة التوحيد وتقررت، يجعلون نصيبا من رزق اللّه لهم موقوفا على ما يشبه آلهة الجاهلية. ما يزال بعضهم يطلق عجلا يسميه «عجل السيد البدوي» يأكل من حيث يشاء لا يمنعه أحد، ولا ينتفع به أحد، حتى يذبح على اسم السيد البدوي لا على اسم اللّه! وما يزال بعضهم ينذرون للأولياء ذبائح يخرجونها من ذمتهم لا للّه، ولا باسم اللّه، ولكن باسم ذلك الولي، على ما كان أهل الجاهلية يجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقهم اللّه. وهو حرام نذره على هذا الوجه. حرام لحمه. ولو سمي اسم اللّه عليه. لأنه أهلّ لغير اللّه به!.
«تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ» بالقسم والتوكيد الشديد. فهو افتراء يحطم العقيدة من أساسها لأنه يحطم فكرة التوحيد.
وقال تعالى: «وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ - سُبْحانَهُ - وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ. وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ، أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ؟ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ!» ..