قال تعالى: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 2]
إنه يصور حالة واقعية لا يمكن أن يدركها اليوم إلا الذي يعيش في جاهلية وهو يدعو إلى الإسلام ويعلم أنه إنما يستهدف أمرا هائلا ثقيلا، دونه صعاب جسام .. يستهدف إنشاء عقيدة وتصور، وقيم وموازين، وأوضاع وأحوال مغايرة تمام المغايرة لما هو كائن في دنيا الناس. ويجد من رواسب الجاهلية في النفوس، ومن تصورات الجاهلية في العقول، ومن قيم الجاهلية في الحياة، ومن ضغوطها في الأوضاع والأعصاب، ما يحس معه أن كلمة الحقيقة التي يحملها، غريبة على البيئة، ثقيلة على النفوس مستنكرة في القلوب ..
كلمة ذات تكاليف بقدر ما تعنيه من الانقلاب الكامل لكل ما يعهده الناس في جاهليتهم من التصورات والأفكار، والقيم والموازين، والشرائع والقوانين، والعادات والتقاليد، والأوضاع والارتباطات .. ومن ثم يجد في صدره هذا الحرج من مواجهة الناس بذلك الحق الثقيل، الحرج الذي يدعو اللّه - سبحانه - نبيه - صلى الله عليه وسلم - ألا يكون في صدره من هذا الكتاب شيء منه وأن يمضي به ينذر ويذكر ولا يحفل ما تواجهه كلمة الحق من دهشة واستنكار، ومن مقاومة كذلك وحرب وعناء ..
ولأن الأمر كذلك من الثقل ومن الغرابة ومن النفرة ومن المقاومة لهذا التغيير الكامل الشامل الذي تستهدفه هذه العقيدة في حياة الناس وتصوراتهم، فإن السياق يباكر القوم بالتهديد القاصم، ويذكرهم بمصائر المكذبين، ويعرض عليهم مصارع الغابرين .. جملة قبل أن يأخذ في القصص المفصل عنهم في مواضعه من السياق: «وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها، فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ. فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا: إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ. فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ. فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ. وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ، فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَمَنْ خَفَّتْ