فلا ضرورة لتصور أن له من بين ما في السماوات والأرض ولدا .. فالكل من خلقه بدرجة واحدة، وبأداة واحدة: «بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ» ..
وتوجه الإرادة يتم بكيفية غير معلومة للإدراك البشري، لأنها فوق طاقة الإدراك البشري. فمن العبث إنفاق الطاقة في اكتناه هذا السر، والخبط في التيه بلا دليل!
وإذ ينتهي من عرض مقولة أهل الكتاب في ادعاء الولد للّه - سبحانه - وتصحيح هذه المقولة وردها، يتبعها بمقولة للمشركين فيها من سوء التصور ما يتسق مع سوء التصور عن أهل الكتاب: «وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ: لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ! كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ» ..
والذين لا يعلمون هم الأميون الذين كانوا مشركين إذ لم يكن لديهم علم من كتاب. وكثيرا ما تحدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكلمهم اللّه أو أن تأتيهم خارقة من الخوارق المادية .. وذكر هذه المقولة هنا مقصود لبيان أن الذين من قبلهم - وهم اليهود وغيرهم - طلبوا مثل هذا من أنبيائهم. فلقد طلب قوم موسى أن يروا اللّه جهرة، وطلبوا وتعنتوا في طلب الخوارق المعجزة. فبين هؤلاء وهؤلاء شبه في الطبيعة، وشبه في التصور، وشبه في الضلال: «تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ» .. فلا فضل لليهود على المشركين. وهم متشابهو القلوب في التصور والعنت والضلال: «قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ» .. والذي يجد راحة اليقين في قلبه يجد في الآيات مصداق يقينه، ويجد فيها طمأنينة ضميره. فالآيات لا تنشئ اليقين، إنما اليقين هو الذي يدرك دلالتها ويطمئن إلى حقيقتها. ويهيىء القلوب للتلقي الواصل الصحيح (?).
إنَّ القرآن كان دائما في المعركة. سواء تلك المعركة الناشئة في القلوب بين تصورات الجاهلية وتصورات الإسلام والمعركة الناشئة في الجو الخارجي بين الجماعة المسلمة وأعدائها الذين يتربصون بها من كل جانب.
هذه المعركة كتلك ما تزال قائمة. فالنفس البشرية هي النفس البشرية وأعداء الأمة المسلمة هم أعداؤها ..