أفواههم. ولم يبلعوها. كما سيجي ء! في مكة - حيث لم يكن للإسلام دولة ولا سلطان .. إلا سلطان القرآن - وردت في القرآن المكي تلميحة سريعة إلى نظرة الإسلام للخمر. تدرك من ثنايا العبارة. وهي مجرد إشارة:
جاء في سورة النحل: «وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً» .. فوضع «السكر» وهو الشراب المسكر الذي كانوا يتخذونه من ثمرات النخيل والأعناب، في مقابل الرزق الحسن! ملمحا بهذا التقابل إلى أن السكر شيء. والرزق «الحسن» شيء آخر .. وكانت مجرد لمسة من بعيد للضمير المسلم الوليد!
ولكن عادة الشراب، أو تقليد الشراب - بمعنى أدق - فقد كان أعمق من عادة فردية. كان تقليدا اجتماعيا، له جذور اقتصادية .. كان أعمق من أن تؤثر فيه هذه اللمسة السريعة البعيدة ..
وفي المدينة حيث قامت للإسلام دولة وكان له سلطان .. لم يلجأ إلى تحريم الخمر بقوة الدولة وسيف السلطان. إنما كان أولا سلطان القرآن ..
وبدأ المنهج عمله في رفق وفي يسر، وفي خبرة بالنفس البشرية، والأوضاع الاجتماعية ..
بدأ المنهج عمله في رفق وفي يسر، وفي خبرة بالنفس البشرية، والأوضاع الاجتماعية ..
بدأ بآية البقرة ردا على أسئلة تدل على فجر اليقظة في الضمير المسلم ضد الخمر والميسر: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ. قُلْ: فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ، وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ .. وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما .. »
وكانت هي الطرقة الأولى، ذات الصوت المسموع .. في الحس الإسلامي، وفي الضمير الإسلامي. وفي المنطق الفقهي الإسلامي .. فمدار الحل والحرمة .. أو الكراهية .. على رجحان الإثم أو رجحان الخير، في أمر من الأمور .. وإذا كان إثم الخمر والميسر أكبر من نفعهما .. فهذا مفرق الطريق .. ولكن الأمر كان أعمق من هذا .. وقال عمر - رضي اللّه عنه -: «اللهم بين لنا بيانا شافيا في الخمر» ..