ونأخذ مثالا لهذا التقرير العام هذا الحكم الفقهي الإسلامي بعدم تزكية النفس وعدم ترشيحها للمناصب، وهو المأخوذ من قوله تعالى: «فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ» ومن قول رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - «إنا واللّه لا نولي هذا العمل أحدا سأله» ..
لقد نشأ هذا الحكم - كما نزلت تلك النصوص - في مجتمع مسلم ليطبق في هذا المجتمع وليعيش في هذا الوسط وليلبي حاجة ذلك المجتمع. وفق نشأته التاريخية، ووفق تركيبه العضوي، ووفق واقعه الذاتي. فهو من ثم حكم إسلامي جاء ليطبق في مجتمع إسلامي .. وقد نشأ في وسط واقعي ولم ينشأ في فراغ مثالي. وهو من ثم لا يطبق ولا يصلح ولا ينشئ آثاره الصحيحة إلا إذا طبق في مجتمع إسلامي .. إسلامي في نشأته، وفي تركيبه العضوي، وفي التزامه بشريعة الإسلام كاملة .. وكل مجتمع لا تتوافر فيه هذه المقوّمات كلها يعتبر «فراغا» بالقياس إلى ذلك الحكم، لا يملك أن يعيش فيه، ولا يصلح له، ولا يصلحه كذلك! .. ومثل هذا الحكم كل أحكام النظام الإسلامي. وإن كنا في هذا المقام لا نفصل إلا هذا الحكم بمناسبة ذلك السياق القرآني ..
ونريد أن نفهم لماذا لا يزكي الناس أنفسهم في المجتمع المسلم، ولا يرشحون أنفسهم للوظائف، ولا يقومون لأشخاصهم بدعاية ما كي يختاروا لمجلس الشورى أو للإمامة أو للإمارة ...
إن الناس في المجتمع المسلم لا يحتاجون لشيء من هذا لإبراز أفضليتهم وأحقيتهم. كما أن المناصب والوظائف في هذا المجتمع تكليف ثقيل لا يغري أحدا بالتزاحم عليه - اللهم إلا ابتغاء الأجر بالنهوض بالواجب وللخدمة الشاقة ابتغاء رضوان اللّه تعالى - ومن ثم لا يسأل المناصب والوظائف إلا المتهافتون عليها لحاجة في نفوسهم.
وهؤلاء يجب أن يمنعوها! ولكن هذه الحقيقة لا تفهم إلا بمراجعة النشأة الطبيعية للمجتمع المسلم، وإدراك طبيعة تكوينه العضوي أيضا ..
إن الحركة هي العنصر المكوّن لذلك المجتمع. فالمجتمع المسلم وليد الحركة بالعقيدة الإسلامية ..