إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ» .. «وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ؟ قُلْ: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ، وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» ..
وتواجه طلبهم خارقة مادية - غير القرآن - واستعجالهم بالوعيد الذي يسمعونه. فتقرر لهم أن آية هذا الدين هي هذا القرآن وهو يحمل برهانه في تفرده المعجز الذي تتحداهم به. وأن الآيات في يد اللّه ومشيئته وأن موعدهم بالجزاء يتعلق بأجل يقدره اللّه، والنبي لا يملك شيئا فهو عبد من عباد اللّه.- وفي هذا جانب من التعريف لهم بربهم الحق وحقيقة الألوهية وحقيقة العبودية -: «وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ، وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا، كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ. ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ، لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ» .. «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ، فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ. وَيَقُولُونَ: مَتى هذَا الْوَعْدُ، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ؟ قُلْ: لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ، لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ. قُلْ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً؟ ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ؟ أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ؟ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ؟!» .. «وَيَقُولُونَ: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ! فَقُلْ: إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ، فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ».
وتواجه اضطراب تصورهم لحقيقة الألوهية وحقيقة العبودية - الأمر الذي يحدثهم رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فيه، فيكذبون بالوحي أو يتشككون فيه ويطلبون قرآنا غيره، أو يطلبون خارقة مادية تثبت لهم صحته - بينما هم سادرون في عبادة ما لا يضرهم ولا ينفعهم من الشركاء، على اعتقاد أنهم شفعاؤهم عند اللّه كما يزعمون للّه الولد سبحانه بلا علم ولا بينة .. فتقرر لهم صفات الإله الحق وآثار قدرته في الوجود من حولهم، وفي وجودهم هم أنفسهم، وفيما يتقلب بهم من ظواهر الكون، وما يتقلب بهم هم من أحوال وهتاف فطرتهم وأنفسهم بربها الحق عند مواجهة الخطر الذي لا دافع له إلا اللّه .. وهذه هي القضية الكبرى التي تستغرق قطاعات شتى من السورة والتي تتفرع عنها سائر محتوياتها الأخرى: «إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ اسْتَوى عَلَى