فطرة الإنسان التي لا تتبدل ولا تتحور ولا ينالها التغيير: «فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ» .. وفصل في هذه الرسالة شريعة تتناول حياة «الإنسان» من جميع أطرافها، وفي كل جوانب نشاطها وتضع لها المبادئ الكلية والقواعد الأساسية فيما يتطور فيها ويتحور بتغير الزمان والمكان وتضع لها الأحكام التفصيلية والقوانين الجزئية فيما لا يتطور ولا يتحور بتغير الزمان والمكان .. وكذلك كانت هذه الشريعة بمبادئها الكلية وبأحكامها التفصيلية محتوية كل ما تحتاج إليه حياة «الإنسان» منذ تلك الرسالة إلى آخر الزمان من ضوابط وتوجيهات وتشريعات وتنظيمات، لكي تستمر، وتنمو، وتتطور، وتتجدد حول هذا المحور وداخل هذا الإطار .. وقال اللّه - سبحانه - للذين آمنوا: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ. وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي. وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً» ..

فأعلن لهم إكمال العقيدة، وإكمال الشريعة معا .. فهذا هو الدين .. ولم يعد للمؤمن أن يتصور أن بهذا الدين - بمعناه هذا - نقصا يستدعي الإكمال. ولا قصورا يستدعي الإضافة. ولا محلية أو زمانية تستدعي التطوير أو التحوير .. وإلا فما هو بمؤمن وما هو بمقر بصدق اللّه وما هو بمرتض ما ارتضاه اللّه للمؤمنين! إن شريعة ذلك الزمان الذي نزل فيه القرآن، هي شريعة كل زمان، لأنها - بشهادة اللّه - شريعة الدين الذي جاء «للإنسان» في كل زمان وفي كل مكان لا لجماعة من بني الإنسان، في جيل من الأجيال، في مكان من الأمكنة، كما كانت تجيء الرسل والرسالات.

الأحكام التفصيلية جاءت لتبقى كما هي. والمبادئ الكلية جاءت لتكون هي الإطار الذي تنمو في داخله الحياة البشرية إلى آخر الزمان دون أن تخرج عليه، إلا أن تخرج من اطار الإيمان! واللّه الذي خلق «الإنسان» ويعلم من خلق هو الذي رضي له هذا الدين المحتوي على هذه الشريعة.

فلا يقول: إن شريعة الأمس ليست شريعة اليوم، إلا رجل يزعم لنفسه أنه أعلم من اللّه بحاجات الإنسان وبأطوار الإنسان! ويقف المؤمن ثانيا: أمام إتمام نعمة اللّه على المؤمنين، بإكمال هذا الدين وهي النعمة التامة الضخمة الهائلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015