إن هذه السورة (سورة النساء) تعالج بناء التصور الإسلامي الصحيح، في ضمير الجماعة المسلمة التي التقطها الإسلام من سفح الجاهلية، ليرقى بها صعدا في الطريق الصاعد، إلى القمة السامقة وتخليص هذا الضمير من رواسب الجاهلية، التي تغبش الصورة! أو - كما قلنا هناك - محو الملامح الجاهلية وتثبيت الملامح الإسلامية الجديدة ..
ثم تعالج - على ضوء التصور الجديد - ضمير الأمة المسلمة، وخلقها، وتقاليدها الاجتماعية، وتخلصه من رواسب الجاهلية في الخلق والتقاليد كما خلصته من رواسب الجاهلية في التصور والاعتقاد. وتنظم حياتها الاجتماعية، وروابطها العائلية، على أساس المنهج الرباني القويم.
وهي - في أثناء هذا وذلك - تواجه العقائد المنحرفة، وتواجه أصحاب هذه العقائد، سواء منهم المشركون أو أهل الكتاب من اليهود والنصارى وتصحح هذه العقائد وتقرر وجه الحق في الانحرافات التي تفسدها.
ثم تخوض بالجماعة المسلمة معركة حامية مع أهل الكتاب بصفة عامة، واليهود من أهل الكتاب بصفة خاصة. فهم الذين وقفوا للدعوة الجديدة منذ أن وصل رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، ومنذ أن تبين اليهود خطر هذه الدعوة الجديدة على كيانهم ووضعهم الممتاز في يثرب، ودعاويهم في التفرد بالقرب من اللّه، وأنهم شعب اللّه المختار، ومن ثم حربهم للدعوة الجديدة بكل سلاح! والسورة تكشف طبيعتهم ووسائلهم، وتاريخهم مع أنبيائهم أنفسهم، مما يصور موقفهم من دعوة الحق أياً كان ممثلها، ولو كان هو نبيهم وقائدهم ومنقذهم!
كذلك تبين السورة للأمة المسلمة - بعد هذا كله - جسامة التبعة الملقاة على عاتقها، وضخامة الدور المقدر لها، وحكمة إعدادها وتطهيرها وتصفية رواسب الجاهلية في ضميرها وفي حياتها، وضرورة أخذها هذا الأمر بما يستحق من يقظة وقوة، وأداء للتكاليف