قال تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء: 147] ..
نعم! ما يفعل اللّه بعذابكم - إن شكرتم وآمنتم؟ إن عذابه لجزاء على الجحود والكفران وتهديد لعله يقود إلى الشكر والإيمان .. إنها ليست شهوة التعذيب، ولا رغبة التنكيل ولا التذاذ الآلام، ولا إظهار البطش والسلطان .. تعالى اللّه عن ذلك كله علوا كبيرا .. فمتى اتقيتم بالشكر والإيمان فهنالك الغفران والرضوان. وهناك شكر اللّه - سبحانه - لعبده. وعلمه - سبحانه - بعبده ..
وشكر اللّه - سبحانه - للعبد، يلمس القلب لمسة رفيقة عميقة .. إنه معلوم أن الشكر من اللّه - سبحانه - معناه الرضى، ومعناه ما يلازم الرضى من الثواب .. ولكن التعبير بأن اللّه - سبحانه - شاكر .. تعبير عميق الإيحاء! وإذا كان الخالق المنشئ، المنعم المتفضل، الغني عن العالمين .. يشكر لعباده صلاحهم وإيمانهم وشكرهم وامتنانهم .. وهو غني عنهم وعن إيمانهم وعن شكرهم وامتنانهم .. إذا كان الخالق المنشئ، المنعم المتفضل، الغني عن العالمين يشكر .. فماذا ينبغي للعباد المخلوقين المحدثين المغمورين بنعمة اللّه .. تجاه الخالق الرازق المنعم المتفضل الكريم؟! ألا إنها اللمسة الرفيقة العميقة التي ينتفض لها القلب ويخجل ويستجيب. ألا إنها الإشارة المنيرة إلى معالم الطريق .. الطريق إلى اللّه الواهب المنعم، الشاكر العليم ..
وبعد .. فهذا جزء واحد، من ثلاثين جزءا، من هذا القرآن .. يضم جناحيه على مثل هذا الحشد العجيب من عمليات البناء والترميم والتنظيف والتقويم. وينشئ في عالم النفس، وفي واقع المجتمع، وفي نظام الحياة، ذلك البناء الضخم المنسق العريض. ويعلن مولد الإنسان الجديد الذي لا تعرف له البشرية من قبل ولا من بعد مثيلا ولا شبيها، في مثاليته وواقعيته. وفي نظافته وتطهره، مع مزاولة نشاطه الإنساني في شتى الميادين .. هذا الإنسان