الجاهلية، وكانت محصورة في شعاب مكة، مطاردة من أصحاب الجاه والسلطان فيها، وكانت غريبة في زمانها في العالم كله.وكانت تحف بها امبراطوريات ضخمة عاتية تنكر كل مبادئها وأهدافها.ولكنها مع هذا كله كانت قوية، كما هي اليوم قوية، وكما هي غداً قوية .. إن عناصر القوة الحقيقية كامنة في طبيعة هذه العقيدة ذاتها، ومن ثَمَّ فهي تملك أن تعمل في أسوأ الظروف وأشدها حرجاً.إنها تكمن في الحق البسيط الوضاح الذي تقوم عليه.وفي تناسقها مع الفطرة التي لا تملك أن تقاوم سلطانها طويلاً، وفي قدرتها على قيادة البشرية صعداً في طريق التقدم، في أية مرحلة كانت البشرية من التأخر أو التقدم الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والعقلي .. كما أنها تكمن في صراحتها هذه وهي تواجه الجاهلية بكل قواها المادية فلا تخرم حرفاً واحداً من أصولها، ولا تربت على شهوات الجاهلية، ولا تتدسس إليها تدسساً.إنما تصدع بالحق صدعاً مع إشعار الناس بأنها خير ورحمة وبركة ..
والله الذي خلق البشر يعلم طبيعة تكوينهم ومداخل قلوبهم ويعلم كيف تستجيب حين تصدع بالحق صدعاً.في صراحة وقوة.بلا تلعثم ولا وصوصة (?)!
إن النفس البشرية فيها الاستعداد للانتقال الكامل من حياة إلى حياة.وذلك قد يكون أيسر عليها من التعديلات الجزئية في أحيان كثيرة .. والانتقال الكامل من نظام حياة إلى نظام آخر أعلى منه وأكمل وأنظف، انتقال له ما يبرره في منطق النفس .. ولكن ما الذي يبرر الانتقال من نظام الجاهلية إلى نظام الإسلام، إذا كان النظام الإسلامي لا يزيد إلا تغييراً طفيفاً هنا، وتعديلاً طفيفاً هناك؟ إن البقاء على النظام المألوف أقرب إلى المنطق