إن الاعتقاد في اللّه الواحد يقود إلى الإسلام لسننه وشرعه. وقد شاءت سنة اللّه أن يخلق البشر ذكرا وأنثى، وأن يجعلهما شقين للنفس الواحدة تتكامل بهما وأن يتم الامتداد في هذا الجنس عن طريق النسل وأن يكون النسل من التقاء ذكر وأنثى .. ومن ثم ركبهما وفق هذه السنة صالحين للالتقاء، صالحين للنسل عن طريق هذا الالتقاء، مجهزين عضويا ونفسيا لهذا الالتقاء .. وجعل اللذة التي ينالانها عندئذ عميقة، والرغبة في إتيانها أصيلة، وذلك لضمان أن يتلاقيا فيحققا مشيئة اللّه في امتداد الحياة ثم لتكون هذه الرغبة الأصيلة وتلك اللذة العميقة دافعا في مقابل المتاعب التي يلقيانها بعد ذلك في الذرية. من حمل ووضع ورضاعة. ومن نفقة وتربية وكفالة .. ثم لتكون كذلك ضمانا لبقائهما ملتصقين في أسرة، تكفل الأطفال الناشئين، الذين تطول فترة حضانتهم أكثر من أطفال الحيوان، ويحتاجون إلى رعاية أطول من الجيل القديم! هذه هي سنة اللّه التي يتصل إدراكها والعمل بمقتضاها بالاعتقاد في اللّه وحكمته ولطف تدبيره وتقديره.
ومن ثم يكون الانحراف عنها متصلا بالانحراف عن العقيدة، وعن منهج اللّه للحياة.
ويبدو انحراف الفطرة واضحا في قصة قوم لوط، حتى أن لوطا ليجبههم بأنهم بدع دون خلق اللّه فيها، وأنهم في هذا الانحراف الشنيع غير مسبوقين: «وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ: أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ؟ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ - شَهْوَةً - مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ» .. والإسراف الذي يدمغهم به لوط هو الإسراف في تجاوز منهج اللّه الممثل في الفطرة السوية. والإسراف في الطاقة التي وهبهم اللّه إياها، لأداء دورهم في امتداد البشرية ونمو الحياة، فإذا هم يريقونها ويبعثرونها في غير موضع الإخصاب. فهي مجرد «شهوة» شاذة. لأن اللّه جعل لذة الفطرة الصادقة في تحقيق سنة اللّه الطبيعية. فإذا وجدت نفس لذتها في نقيض هذه السنة، فهو الشذوذ إذن والانحراف والفساد الفطري، قبل أن يكون فساد الأخلاق .. ولا فرق في الحقيقة. فالأخلاق الإسلامية هي الأخلاق الفطرية، بلا انحراف ولا فساد.