إن دين اللّه منهج للحياة، قاعدته أن يكون السلطان كله في حياة الناس كلها للّه. وهذا هو معنى عبادة اللّه وحده، ومعنى ألا يكون للناس إله غيره .. والسلطان يتمثل في الاعتقاد بربوبيته لهذا الوجود وإنشائه وتدبيره بقدرة اللّه وقدره. كما يتمثل في الاعتقاد بربوبيته للإنسان وإنشائه وتدبير أمره بقدرة اللّه وقدره.
وعلى نفس المستوي يتمثل في الاعتقاد بربوبية اللّه لهذا الإنسان في حياته العملية الواقعية، وقيامها على شريعته وأمره، تمثله في التقدم بشعائر العبادة له وحده .. كلها حزمة واحدة .. غير قابلة للتجزئة. وإلا فهو الشرك، وهو عبادة غير اللّه معه، أو من دونه!
ولقد قال نوح لقومه هذه القولة الواحدة، وأنذرهم عاقبة التكذيب بها في إشفاق الأخ الناصح لإخوانه، وفي صدق الرائد الناصح لأهله: «إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ» ..
وهنا نرى أن ديانة نوح .. أقدم الديانات .. كانت فيها عقيدة الآخرة. عقيدة الحساب والجزاء في يوم عظيم، يخاف نوح على قومه ما ينتظرهم فيه من عذاب .. وهكذا تتبين مفارقة منهج اللّه وتقريره في شأن العقيدة، ومناهج الخابطين في الظلام من «علماء الأديان» وأتباعهم الغافلين عن منهج القرآن.
فكيف كان استقبال المنحرفين الضالين من قوم نوح لهذه الدعوة الخالصة الواضحة المستقيمة؟
«قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ: إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ»! كما قال مشركو العرب لمحمد - صلى الله عليه وسلم - إنه صبأ، ورجع عن دين إبراهيم! وهكذا يبلغ الضال من الضلال أن يحسب من يدعوه إلى الهدى هو الضال! بل هكذا يبلغ التبجح الوقح بعد ما يبلغ المسخ في الفطر! .. هكذا تنقلب الموازين، وتبطل الضوابط، ويحكم الهوى ما دام أن الميزان ليس هو ميزان اللّه الذي لا ينحرف ولا يميل.
وماذا تقول الجاهلية اليوم عن المهتدين يهدى اللّه؟ إنها تسميهم الضالين، وتعد من يهتدي منهم ويرجع بالرضى والقبول! .. أجل من يهتدي إلى المستنقع الكريه، وإلى الوحل الذي