عندئذ رأى الصحابة أنه من الضروري أن يوفّروا نسخا من القرآن في البلاد المختلفة ليقرأ الناس استنادا إليها. وأمر الخليفة عثمان بن عفان بتشكيل لجنة رباعية من خيار حفّاظ الصحابة وكتّابهم، وهم: زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام.

وهكذا فقد تمّ نسخ خمسة مصاحف موثقة، وزّعت في المدن الرئيسة الخمس وهي: مكة والمدينة ودمشق، والبصرة والكوفة، وربما كانت المصاحف سبعة (?) وزعت في الأمصار الخمسة واليمن والبحرين، كما ذكرت ذلك بعض الروايات. وبذلك اكتملت الوثيقة الثانية للقرآن الكريم مكتوبة متوفرة في الأمصار.

خط المصاحف:

كتبت تلك المصاحف جميعا بالخط الكوفي القديم، وظلّت الكتابة بالخطّ الكوفي مفضّلة لدى الناس حتى تحوّلوا عنها إلى خط النّسخ في القرن الرابع الهجري لكونه أكثر وضوحا وأبعد عن الالتباس.

ولا يزال الخط النّسخي إلى اليوم هو المستعمل في كافّة المصاحف.

مصاحف الصحابة الخاصة:

وقد يشكّل هنا ما اشتهر من أن بعض مصاحف الصحابة الخاصة فيها زيادات ليست في المصاحف التي بين أيدينا، ويزول ذلك الإشكال حين تعلم أن هذه المصاحف إنما

كتبها أولئك الأصحاب لأنفسهم، وكانوا يزيدون فيها ما هو من باب التفسير والإيضاح، كما زاد مثلا عبد الله بن مسعود في مصحفه: (وهو أبوهم) بعد قوله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ [الأحزاب: 33/ 6]، فزيادته تلك هي زيادة إيضاح وتفسير، ولم يجد في ذلك حرجا لأنه إنما كتب المصحف لنفسه، وهو يعلم أن هذه الإشارات والملاحظات ليست من نصّ القرآن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015