ولكن هذا الذي روي عن أبي عبيدة من أن الوجهين لغتان في معنى واحد غير مسلّم، فقد قال الكسائي: لا يقال من الكثرة إلا آمرنا بالمدّ (?).
ولعل صيغة القصر التي تأتي بمعنى التّكثير هي التي وردت مكسورة: (أمر)، وهي لم ترد في المتواتر، وإنما نسبها الطبري للحسن البصري، ويحيى بن عمرو، وعكرمة، وابن عباس (?).
ومن ذلك قول لبيد:
كل بني حرة مصيرهم ... قلّ، وإن أكثرت من العدد
إن يغبطوا يهبطوا، وإن أمروا ... يوما يصيروا للهلك والنّكد (?)
وكذلك ما قاله أبو سفيان لدى خروجه من لدن قيصر: «لقد أمر أمر ابن أبي كبشة، إنه ليخافه بني الأصفر» (?)، وقد انتصر أبو عبيدة لاختياره بأنها لغات في المعنى الواحد، وقال: إنما اخترنا (أمرنا) لأن المعاني الثلاثة تجتمع فيها من الأمر، والإمارة، والكثرة (?).
إنما تظهر في غير ما اختاره أبو عبيدة، فيكون الجمع بين ذلك بالقول إن قراءة القصر أفادت أن الله سبحانه هو الذي يسبب الأسباب، ويخلق أفعال العباد، ويأمر بما يشاء، فيأمر المترفين بالفساد، أمر إلهام وتيسير، فيفسدوا في القول الأرض، فيحق القول على المفسدين.
وفي قراءة المدّ نفهم أن الله سبحانه وتعالى يكثر المترفين، ويزيد فيعددهم إذا أراد إهلاك القرى، فيحقّ عليهم القول بما ظلموا.
فهذان المعنيان يوضحان خفايا التدبير الإلهي في إهلاك القرى، ولا سبيل إلى معرفة هذين المعنيين إلا من خلال تعدد القراءة المتواترة (?).