بالحكم والأمر، فإنها مراقة بالقضاء والحكمة. قالت الملائكة لربنا تعالى: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون} (?) الآية. ثم علمنا ربنا معنى ذلك وحكمته، وهي ما بيّناهُ في كتاب الأمد من أنَّ الله سبحانه له الصفات العلى والأسماء الحسنى وكل اسم من أسمائه، وصفة من صفاته لها متعلق لا بدَ أن يكونَ ثابتًا على حكمِ المتعلقِ منها عامة التعلق، ومنها خاصة فيه فلما كان من صفاتِه الرحمة أخذت جزءاً من الخلق، فكان لهم العفو والعافية في الدنيا والآخرة ولما كان من صفاته السخط، أخذت هذه الصفة جزءاً من الخلقِ فوجبَ لهم العذاب، واستحقت عليهم النقمة إلى آخر تحقيق هذا الفصلِ في الكتاب المذكور (?)، فلما خلقَ الملائكة يفعلون ما يؤمرون ويسبحون بالليلِ والنَّهارِ لا يفترون، لم يكن بد لما تقدم بيانه له من أن يخلق من تجري عليه هذه الأحكام من خير وشر، وتنفذ فيه هذه المقادير من نفعٍ وضرٍ. فالحمدُ لله الذي بصرنا حكمته وأحكامه وإياه نسألُ نوراً يتيسر به العمل ولعظيم حرمة الدماء:
حديث (?): قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا يزال الرجلُ في فسحةٍ من دينه (?)، وروي من ذَنبه (?)، ما لم يصبُ دماً حراماً). فالفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة، حتى إذا جاء القتل ضاقت, لأنها لا تفي به والفسحة في الذنب قبوله للمغفرة (?)، وإن قتل البهائم بغير حتي لموجب ذنباً عظيماً، فكيف قتل الآدمي الذي لو وزن بالدنيا بأسرها لرجحها. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أول ما يقضى فيهِ يوم القيامة الدماء) (?) , لأنَّ المهم هو المقدم.