المشتري مضى وترددوا فيما إذا باع أو وهبَ. وتعرض العلماء من أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة للدليل عليه وفاوضت فيه العلماء مما وراء جيحون (?) إلى مصر فما وجدتُ عند أحد منهم نكتة يعول عليها وتعاطيت النظر ورددته فظهر لي أن مالكاً إنما غاص في ذلك على نكتة وهي: أن البيعَ الفاسد إذا عقده المتعاقدان لا يخلو أن يكونَ حراماً محضاً، لا خلاف فيه فلا ينفذ منه شيء ولا ينبني عليه أمر وإن كانَ مختلفاً فيه، فإن عثر عليه وهو بحَاله فُسِخَ، وإن طرأت عليه علة وأقلها حوالة الأسواق. قال مالك: لا أفسخهُ لأن الدليل مثلاً قد قام عندي على أن هذا عقد لا يجوز، فإذا فسخته ورددت السلعة إلى صاحبها وهي تساوي خمسة بعد أن كان دفعها وقيمتها عشرة فقد أوقعنا به الضرر قطعاً فضرره متيقن حسا وقطع الضرر متيقن شرعاً، فكيف يقوم عليه دليل ظني في الفسخ وقد مهدنا القول عليه في مسائل الخلاف، والله يعلم أن المجتهد إذا أداه اجتهاده إلى أن هذا البيع المنعقد فاسد فتعين عليه أن يفسخ جميع ما ترتب عليه ويبني قطعي على ظني وذلك مما لا يحصى كثرةً في مسائل الفقهِ كما يبنى علم ضروري على نظري وقد مهدنا ذلك في موضعِه فلينظر فيه.
ولاية القضاء خلافة الله في أرضه ونيابة عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في شرعه ومنزلته، ذات خطرٍ مع ما فيها من الخطرِ، ولذلك خوَّف النبيّ - صلى الله عليه وسلم - منها كثيراً، فقال: (منْ جُعل بينَ الناسِ قاضياً فكأنما ذبح بغير سكين) (?)، وقال: (من كان قاضياً فقضى بالعدل فبالحري أن يفلتَ منه كفافاً (?) رواه ابن عمر. خرَّج الترمذي هذه الأحاديث الثلاثة والناس. قال