العدوان باب عظيم تصرفت فيه الشريعة بالبيان وتعلقت به من الأفعال أحكام قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) (?) الحديث وإذا وقع التعدي فيها فللشرع على المتعدي حكمان:
أحدهما حكم زجر كالضرب والقتل.
الثاني: حكم جبر كالقيمة والدية وفي الجبر زجر لأنه ينقض بملك المتعدي وليس في الزجر جبر ولكن فيه حفظ واستيفاء عنه وقع البيان بقوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة} (?) ولأجل ذلك شرف الله هذه الأمة على سائر الأمم فإن القصاص زاجر في كل أمة وخصت هذه الأمة بالدية جبراً وجعل الله الولي بالخيار من أن يقبل الدية أو يقتل وهذا هو الصحيح. ومن النكت الغريبة في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر فيه الفروج ولكنها دخلت في الأعراض فاستوعب هذا الحديث محارم الشريعة فأما الرجم فيكون بما تقدم من القتل والضرب وأما الجبر فيكون بالمثل وهو على قسمين مثل في الصورة ومثل في المالية فأما المثل من جهة المالية فقد عينها الله في القيمة من النقدين أو ما جرى مجراهما بالعرف وأما المثل من طريق الصورة فما يشاهد وذلك في المكيل والموزون أما إنه قد يشذ من ذلك شيء في التفريع كمسألة الغزل فإن العلماء اختلفوا فيها هل هي من ذوات الأمثال أو من ذوات القيم والصحيح أنها من ذوات القيم فإن ضبط القاعدة أوكد من النظر في الفروع أو من مراعاة الرجال فإن قيل فكيف تصنعون بما في الحديث الصحيح من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في بيت بعض نسائه فأهدت إليه إحدى أمهات المؤمنين قصعة فيها طعام فضربت التي هو في بيتها يد الخادم فوقعت القصعة فانكسرت فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (غارت أمكم وجعل يجمع الطعام ويقول: كلوا فأكلوا وأخذ قصعة التي هو في بيتها وأرسلها إلى التي كسرت قصعتها) (?) قلنا هذا الأمر جرى للنبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين إحداهما: كانت أم سلمة أهدت إلى