فإن شاء الراهن أن يستوفيها تحت يد المرتهن استوفاها وإن شاء أن ينيب من يستوفيها له فعلى هذا يصل كل ذي مالك إلى ملكه ويبقى كل حق محفوظ على صاحبه. وأما قوله (الرهن محلوب ومركوب) فهو إشارة إلى ما قلنا من أن المنافع لا تبقى معطلة. وأما قوله (يركب بنفقته ويحلب بنفقته) فإن ذلك محمول على عادة كانت عندهم أو على تراضٍ بذلك من المتراهنين فإما أن يأخذ ذلك المرتهن بشرع فلا يصح فإنه كان يكون زيادة في حقه وأخذ مال الراهن بغير رضاه وأما قوله (لا يغلق الرهن) فإن معناه لا يذهب هدراً قال العربي:
وفارقتك برهن لا فكاك له ... يوم الوداع فأمسى الراهن قد غلقا (?)
ففسر الغلق وهو ذهابه بغير شيء وفواته من غير جبر وفي ذلك أحوال:
الحالة الأولى: ما فسره مالك.
الحالة الثانية: أن يموت الرهن عند المرتهن أو يتلف بوجه من وجوه التلف فقال الشافعي يذهب هدراً ويأخذ صاحب الحق حقه وقال أبو حنيفة يقاصه بقيمته من الدين ولمالك قولان: أحدهما: الفرق بين أن يكون مما يغاب عليه أو ما لا يغاب عليه فإن كان مما يغاب عليه كان كما قال أبو حنيفة وإن كان مما لا يغاب عليه كان كما قال الشافعي. القول الثاني: أن الحكم فيه كما قال أبو حنيفة في كل حال، زاد مالك إلا أن تقوم بينة على تلفه من غير جهة المرتهن فإنه يكون من الراهن وفي مسألة عظيمة أخذت شبهاً من الأمانات لأنه قبضه بإذن صاحبه وأشبهت المستام من جهة أنه قبضه على جهة المعاوضة ومن حكم الفرع إذا تجاذبه أصلان أن يوفر عليه من حكم كل واحد منهما ولأجله قال مالك مرة إنه أمانة وقال أخرى إنه مضمون وقال الحال فيه أنه أمانة عنده لأنه لم يقبضه على العوضية وإنما قبضه على التوثق من الأمانات والدين مسفر في الذمة بخلاف المستام فإنه قبضه على معنى الاعتياض فحقق ذلك فيه ومن غلق الرهن مسألة إعتاق الراهن فإن علماء الإِسلام اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال:
أحدهما: أنه مردود قاله الشافعي.
الثاني: أنه نافذ قاله أبو حنيفة.
الثالث: أنه ينفذ إن كان موسراً ويرد إن كان معسراً قاله مالك والمسألة مشكلة إلا أن كلام مالك يظهر فيها مع الاعتبار جداً لأنه من غلق الرهن والصحيح في اشتقاقه أن يذهب