كشجاعة أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، فإن الشجاعة والجرأة إنما حدّهما ثبوت القلب عند حلول المصائب ولا مصيبة أعظم من موت النبي، - صلى الله عليه وسلم -، فظهرت فيها شجاعة أبي بكر وعلمه، قال الناس: لم يمت رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، منهم عمر، رضي الله عنه، وخرس عثمان، رضي الله عنه، واستخفى عليّ، رضي الله عنه، واضطرب الأمر فجاء أبو بكر، رضي الله عنه، وكان غائباً، فكشف الثوب عن وجهه الكريم وقال: بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً، ثم خطب الناس فقال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} (?) الآية، فخرج الناس يتلونها في سكك المدينة كأنها لم تنزل قط إلا ذلك اليوم (?)، ولم يعلم أحد حيثُ يدفن، فقال أبو بكر، رضي الله عنه: سمعته يقول: (لَمْ يُدْفَنْ قَطُّ نَبِيٌّ إلَّا حَيْثُ يَمُوت) (?) وطلبت فاطمة ميراثها فقال: سمعته يقول: "إنّا مَعْشَرُ الأنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ" (?) وارتدت العرب فمنعت الزكاة فقال له عمر، رضي الله عنه، وسواه: اقنع منهم بالصلاة حتى يتمهَّد الإِسلام، فقال: وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ الله لَقَاتَلْتهُمْ عَلَيْه (?) , وقيل له: أمسك جيش أُسامة تستعين به على قتال أهل الردة، فقال: وَاللهِ لَوْ لَعِبَتِ الْكِلابُ بخَلَاخِيلِ نِسَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَا رَدَدْتُ جَيْشاً أَنفَذَهُ رَسُولُ الله، - صلى الله عليه وسلم -، قال له عمر، رضي الله عنه: ومع من تقاتلهم؟ قال له: وَحْدِي (?) حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفتِي. فكان هذا أصلاً في أن لا يرد حاكم حكماً أنفذه غيره قبله وإن رأى الناس خلافه (?).