الأصول وحمل الفروع عليها بعد ذلك، وقد أشرنا إِليه في قانون التأويل. وقال (ش): وجه الجمع بين هذه الأحاديث أن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، أفرد الحج فعلًا وغيره بما نسب إليه إنه فعله إنما معناه أمر به، والآمر تعدُّه العرب فاعلاً وتخبر به عن الفعل، تقول: رجم الحاكم الزاني، وقطع اللص لما أمر وإن كان لم يتناول ذلك (?). وهذا التأويل، وإن حسن في مواضع فليس هذا منها لأن ظواهر الأحاديث المتقدمة تدفعه فتأملوها. وقال غيره: كان أمر النبي، - صلى الله عليه وسلم -، في إحرامه موقوفاً حتى يبين الله له كيف يكون فيه، وروى في ذلك أثراً (?). واتقن علماؤنا المتأخرون الجواب فقالوا: إن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، لما أمره الله تعالى بالحج وأحرم انتظر الوحي بكيفية الالتزام وصورة التلبية فلم ينزل عليه شيء فاعتمد ظاهر ما، أمر به فقال: "لَبيْكَ اللهم لَبيْكَ بِحِجَّةٍ" (?) فسمعه جابر وعائشة فسمعا الحقَّ ونقلا الحقَّ، وانتظر النبي، - صلى الله عليه وسلم -، أن يقرَّ على ذلك أو يبين له فيه شيء فلم يكن فقال: لَبيْكَ بِحِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، فسمعه أنس وهو تحت راحلته حين قال: ما تعدوننا إلا صبياناً؛ لقد سمعت رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، يصرخ بهما جميعاً لبيك بحجة وعمرة معاً (?)، فسمع الحقَّ ونقل الحقَّ، وسار النبيُّ، - صلى الله عليه وسلم -، على هذه الحالة حتى نزل بالعقيق فنزل عليه جبريل وقال له: (صَلَّ في هذَا الْوادي الْمُبَارَكِ وَقُلْ عُمْرَةٌ في حِجَّةٍ) (?)، فكشف له قناع البيان عن القرآن واستمر عليه والتزم من ذلك ما التزمه وخرج حتى دخل مكة فأمر أصحابه أن يفسخوا الحج إلى العمرة فقالوا له: كَيْفَ نفْعَلُ ذلِكَ وَقَدْ أهْلَلنا بِالْحِجَّ؟ قَالَ لَهُمْ: إِفْعَلُوا مَا أمرْتُكُمْ بِهِ، فَلَوْلَا أَنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ لأحْلَلْتَ كَمَا تَحِلُّونَ،