من أن الزكاة طُهرة للمال وكفارته لا يبقى بعدها حق فيه، وقد قال النبي، - صلى الله عليه وسلم -، للسائل عن الفرائض وفي طريق التعليم: "هَلْ عَلَى غَيْرَهُن؟ قَالَ: لَا" (?)، وهذا نص إنصاف: نحن وإن قلنا انه ليس في المال حق سوى الزكاة فإنما ذلك ابتداء فأما العوارض والطوارىء فقَد تتعين الحقوق في الأبدان بالنصرة للمظلومين ودفع الظالمين زائداً على الجهاد، وفي الأموال بإغناء المحتاجين وفكّ الأسرى من المسلمين، وقد قال مالك، رضي الله عنه: يجب على كافة الخلق أن يفكوا الأسرى ولو لم يبقَ لهم درهم (?)، ولا خلاف بين الأمة في هذين الفصلين، فافهموا تنزيلهما واعلموا أوجه الخلاف فيهما.
تقسيم واستيفاء ترتيب: أتقن مالك، رضي الله عنه، في كتاب الزكاة اتقاناً صار لجميع الخلق معياراً فهم يقتفون في ذلك أثره (?)، ويترقون إلى درجته، وأنى لهم؛ فإنه لمّا أصل الزكاة حسن ترتيبها فبدأ بالعين الذي هو أصل الأموال ومعيار الأملاك وحقيقة الغنى فاستوفى وجوهه التي تتعلق بها الزكاة، والتي لا تتعلق من معدن وركاز وحلي، واتبع ذلك بأموال الصبيان والأموال المستفادة بالمواريث وبين حكمه إذا كان صماراً (?)، وذكر العروض التي تجب فيها الزكاة بإنزالها منزلة العين في النية، ويين الكنز المذموم، وهو كل مال لا تؤدَّى زكاته؛ ثم عقَّب ذلك بالماشية والثمار، وهذا ترتيب بديع لمن نظره دون أن يراه لأحد ثم لحظ الشريعة لحظة أخرى أعظم من هذه الأُولى فعلم أن أموالها منقسمة إلى أربعة أقسام: الصدقة والجزية والفيء والغنيمة، فأفرد للفيء والغنيمة كتاباً، وأدخل الجزية في كتاب الزكاة لأنه مال موظف على الأبدان فصار من نوع زكاة الفطر وأشبه شيء بصدقة المال لأنها متعلقة بالبدن تعلق مالك بالمال، ثم رأى غيره أن يلحقها بالفيء والغنيمة وسنبين ذلك إن شاء الله تعالى.
ما لا زكاة فيه من الحلي: أدخل مالك، رضي الله عنه حديث القاسم عن عائشة