قلنا: لم يكن هذا من موسى، عليه السلام، كراهية في الموت، وإنما كان غضباً من موسى، عليه السلام، لسرعة غضبه، وما كان قط غضبه إلا في الله لا لمعنى من معاني الدنيا. قال علماؤنا: وإنما غضب ها هنا لأنه كان عنده أن نبياً لم يقبض قط حتى يخيَّر، فلما جاء بغير تخيير استنكر ذلك وأدركته حمية الإلهية. ألا ترى إلى قول عائشة، رضي الله عنها، حين سمعت النبي، - صلى الله عليه وسلم -، يقول (اللَّهُمَّ الرَّفِيقُ الأعْلَى) فعلمت أنه كان حديثه الذي كان يحدثنا به، تعني قوله (أنَّ نَبِيّاً لَمْ يُقْبَضْ حَتَّى يُخَيَّرَ) (?)، وقد روى أبو مويهبة (?) أن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، قبل وفاته بليال نزل إليه جبريل عليه السلام (فَخَيَّرَهُ بَيْنَ الْخُلْدِ في الدُنْيَا أوْ بَيْنَ الْمَوْتِ) (?)، وهذا من بلاء الله تعالى الحسن لأنبيائه، عليهم الصلاة والسلام, لأنه يخيِّرهم قبل الموت بين البقاء في الدنيا، على النعيم والنبوة والملك، وبين لقاء الله تعالى فلا يؤثرون على الله تعالى شيئاً لعظيم معرفتهم به وأن لقاءه عن رضوان هو الشرف الأكبر والنعيم الأوفر.
تتميم: روى النسائي وغيره، وألفاظهم متقاربة، (أنَّ الْمَلَائِكَةَ إِذَا نَزِلَتْ لِقَبْضِ رُوحِ