وإيثاراً فله الويل الطويل من الغبن، وإن كان خوفاً من ذنوبه ورغبة في عمل صالح يستفيده فالبشرى له من المغفرة والنعيم، وإن كان حياءً من الله تعالى لما اقتحم من مجاهرته فالله تعالى أحق أن يستحى منه، قال النبي، - صلى الله عليه وسلم - "يَقُولُ الله تَعَالَي إِذَا أحَبَّ عَبْدِي لِقَاءه أحْبَبْتُ لِقَاءهُ وَإِذَا كَرِهَ لِقَائِي كَرِهْتُ لِقَاءَة" (?)، وهذا الحديث ركبه على هذه الثلاثة الأحوال.
فبحسب ذلك يكون التأويل، وقد روي، في الصحيح، عن عائشة، رضي الله عنها، زيادة حسنة في هذا الحديث: قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله كُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ قَالَ لَهَا لَيْسَ كَذلِكَ وَلَكِنَّ الْعَبْدَ يَعْنِي إذاً قُبِضَتْ رُوحهُ عَلَى بُشْرَى أحَبَّ لِقَاءَ الله فَأحَبَّ الله لِقَاءه، وإذَا قُبِضَتْ عَلَى غَضَبٍ كَرِهَ لِقَاءَ الله فَكَرِهَ الله لِقَاءهُ) (?)، وعلى هذا يخرج حديث أبي هُرَيْرَة، رضي الله عنه، في الرجل الذي لم يعمل خيراً قط فقال لأهله إذا مات فَحَرِّقُوه وَاذرُوا نِصْفَهُ في الْبَر وَنصْفَة في الْبَحْرِ (?) الحديث.
فإنَّ هذا رجلٌ كره الموت من خشية الله تعالى فتلقاه الله، عزَّ وجلَّ، بمغفرته. وقد تباين الناس في تأويل هذا الحديث، فمنهم من أوَّل لفظه فقال معنى لئن قدر الله على لئن ضيق وهذا تأويل بعيد لوجهين:
أحدهما: أنه لو خاف التضييق ما ذرى نصفه في البر ونصفه في البحر ولَلَقِيَ الله كذلك.
والثانى: أن في بعض طرق الصحيح (?): (ذُرُوا نِصْفِى في الْبرِّ وَنصْفِى في الْبَحر لعلِّي أضلُّ (?) .............